هل لدينا فرصة لإنقاذ المغرب؟ بقلم: المختــــار الغربــي


من العادات السيئة، التي تسكن السياسيين في المغرب والمعبرة عن ضيق الأفق الفكري والمعرفي لديهم، كونهم ينتقدون ويشاكسون في الانتقاد والشكوى في وجه خصومهم، لكنهم لا يقدمون الحلول والبدائل لما ينتقدونه. يقع هذا من جميع الأطراف، وعادة في حالات المعارضة وتسفيه آراء وقرارات بعضهم البعض، فيما يتعلق بالمواقف السياسية والإجراءات الاقتصادية والاجتماعية.

الآن هناك أزمة في المغرب على جميع المستويات، وكل ما يبدو كحلول لا تعدو كونها ترقيعية لا تنبني على أسس علمية ولا تتغيى اجتثات المشاكل من جذورها. الأخطر من هذا، وتأسيسا على التجربة، كل مرحلة لها رجال لا ينظرون أبعد من أنفهم، اعتمادا على الفترة المخصصة لهم لتدبير القضايا المسؤولين عنها، وبعدها يخلفهم آخرون يتعاملون بنفس الأسلوب الانتهازي الخالي من أي حس وطني. حتى بعض الأكاديميين والباحثين ومن يطلقون على أنفسهم خبراء في الاقتصاد أو غيره، عادة ما يبرزون بعض العيوب في تسيير الشأن الوطني، لكنهم لا يقدمون البدائل والحلول.

روبرتو سنطينو، أستاذ مبرز في الاقتصاد بمدرسة مهندسي المعادن التابعة للجامعة المتعددة التقنيات بمدريد. نشر عدة كتب  ودراسات ومقالات اقتصادية حول الهندسة في أهم الصحف الاسبانية، كما هو معروف بتعاونه مع الإذاعات وقنوات التلفزيون. هذا الباحث انتقد وعدد عيوب ومساوئ أحوال بلده، ولم يكتف بذلك، بل طرح المشاكل وحلولها. عند قرائتى لمقاله الشيق حول هذا الموضوع تراءت لي أوجه الشبه بين مشاكلنا هنا في المغرب ومشاكلهم هناك في اسبانيا، ولو على سبيل التشبيه في موضوع الأزمة التي يبتلون بها ونبتلى بها نحن أيضا.

أفكار الباحث الاسباني لها علاقة بما نعانى منه في المغرب، لأنه يبدو أن اسبانيا ليست هي ما نعرف، بل غارقة في نفس المستنقعات الآسنة التي نعيشها في المغرب، عمليا، ميدانيا وواقعيا، حيث إن مشكلة اسبانيا ليست اقتصادية، كما هو الحال في اليونان، ايرلندا والبرتغال، بل سياسية. وهذا نفس الاستنتاج الذي نعانى منه في المغرب، فمشكلتنا سياسية بالأساس، لأنه لم يعد لنا سياسيون وطنيون لهم غيرة على بلدهم، بل مجرد منافقين وانتهازيين، وهم الذين، بالأساس، من تسبب في خراب المغرب وأوصلوه إلى حالته السيئة والبئيسة.
بالنسبة للمغرب، بالتأكيد هناك حلول وبدائل واضحة لأزمتنا، لكن هناك جبن واضح أيضا من تحمل تبعاتها، لأن هناك مراكز قوى تحاصر أية خطوة في تصحيح المسار واصلاح الأوضاع، لسبب بسيط، وهو كون الانتهازيين والمستفيدين من الوضعية ليس من صالحهم اتخاد تلك الخطوة أو الخطوات، من ضمنها:
 -تغيير نموذج الدولة:

إجراء واضح وغير قابل للنقاش، يجب تغيير نموذج الدولة، في حالة المغرب، يجب تغيير هياكلها، التي في الكثير منها أنشئت على مقاس مصالح معينة وأشخاص بعينهم. ليس هناك بلد يبنى هياكله على تبذير سفيه يخرب كل ما هو مبنى ليبنى على أنقاضه ما يمكن استثماره في أمور أخرى أكثر نفعا. هذا أمر غير مقبول ومستحيل السير عليه، بداية من تفريخ عدة مهام ومصالح وإدارات ومؤسسات تأكل الأخضر واليابس من ثروات البلاد وإمكانياتها المالية، مرورا بعمالات وأقاليم وبلديات قزمية وما تستنزفه من أموال وامكانيات.

هناك فوضى شاملة لجمود أو تجميد وسائل المراقبة لمواجهة المستويات العليا من الفساد والرشوة، سواء على صعيد المؤسسات أو الأفراد، الذين منهم من شكل سلالات وطوائف تستحوذ على السياسة والمال والمناصب والثروات. هذه المظاهر لا ولم ولن تنفع معها بعض المواقف المتكالبة والقرارات المعزولة للادعاء بأن هناك إصلاحات، في وقت لا تجد فيه تقارير المجلس الأعلى للحسابات الطريق إلى المتابعة والعقاب، بل يقع التعتيم عليها والتحايل عليها وتجميدها. مثل هذه المواقف المتخاذلة تبدو معها الأمور بأنه داخل نموذج الدولة تسكن كل الاختلالات والشطط والظلم والتطرف، مما يجب معه الغوص في عمق الجذور لاجتثاث الخبائث والأمراض والعلل. كما أن هناك موظفون وأشخاص يعلمون أسباب تلك الأمراض والعلل، فيجب تشجيعهم وحمايتهم لفضح الذين يخربون المالية العامة ويسرقونها بشتى الوسائل والأسباب، كالاحتيال والحصول على الامتيازات غير المشروعة والمصاريف الزائفة والغش والزبونية والمحسوبية. ضمن كل ذلك، الرواتب العليا التي لا معنى لها والموظفون الأشباح الذين لا يقدمون أية خدمة للدولة، كما أن هناك مسؤولين يأخذون أجورهم المنفوخ فيها فقط لتخريب وتدمير المغرب.
 - نهج ديمقراطية حقيقية:
 هذا موضوع آخر أساسي، بل أكثر أهمية من الأول. الديمقراطية الحقيقية سرقت من المغاربة من طرف آباء الفساد السياسي، الذين لو كانوا يخجلون لأطلقوا على أنفسهم رصاصة. فبعد ستين سنة من الاستقلال، ما يزالون يعيشون ويقتاتون من دماء وفقر ومعاناة المغاربة، كما زرعوا نظاما سياسيا انتهازيا وطبقيا بدون خجل. هذه ليست ديموقراطية، بل إنها أسوأ أنواع الدكتاتوريات، خلقتها الأحزاب ورموزها المريضة وساعدتها في ذلك أجهزة الدولة. إن الممثليات السياسية، أحزابا ومؤسسات، المفروض تمثيليتهم للشعب، لم يسبق في كل تاريخ المغرب أن كانوا يمثلون المغاربة، بل كانوا دائما يمثلون أنفسهم ومصالحهم وأسيادهم الذين وضعوهم في اللائحة ليكونوا عالة على المغاربة، بما يتمتعون به من الامتيازات، المناصب، الرواتب المفترسة، السيارات الفارهة، الخدم، الأسفار وغيرها.

هذه الأمور هي التي يجب أن تتغير إذا أردنا بالفعل الخير والاستقرار لهذه البلاد وللمغاربة. لذلك يجب إقصاء تلك النماذج المريضة من تدبير الشأن العام والحجر عليهم ومحاسبتهم والقضاء على كل أثر لهم في المجتمع المغربي، لأن كل تلك المساوئ والمصائب لا تستقيم مع التنمية والتطور والعدالة والمساواة. هناك أمر آخر، وهو المتعلق بقانون الانتخابات، الذي هو واحد من العيوب التي تجر المغرب إلى الوراء وتدفع الانتهازيين إلى الأمام. ففي هذا المشهد المؤلم لا يمكن السماح لأشخاص مرضي بالمنصب والمال والطمع والجشع بأن يكونوا ممثلين للشعب ويقررون في مصيره.
 - الاختلاسات والتدليس:
إلى حدود نهاية القرن الماضي، وقعت اختلاسات كبيرة في بعض المؤسسات المالية بالمغرب، أفضت إلى كارثة مالية كادت تتسبب في إفلاس الدولة المغربية. المثير في الأمر هو أن هذه العملية الاحتيالية الكبيرة والخطيرة لم تحرك في الجهات المعنية، الرسمية والقضائية، أي رغبة أو رد فعل لمواجهة هذه الفاجعة ومتابعة المتسببين فيها، بل قدمت لهم كل التسهيلات لمغادرة المغرب، بالنسبة لبعضهم، وحماية البعض الآخر.
 إضافة إلى الأموال الطائلة المنهوبة، ضخت الدولة، من المال العام، مبالغ أخري كبيرة لإنقاذ بعض تلك المؤسسات من الإفلاس.
في لحظة التحول الحاسم، الحاصل الآن، المطلوب هو الإطاحة برموز الفساد، الاختلاس، الاغتناء غير المشروع، الشطط في استعمال السلطة وحرمان المغاربة من حقوقهم وثروات بلدهم.
 إن مظاهر استباحة المال العام وفساد الذمم استفحلت وستزيد استفحالا بشكل غير مفهوم بمشاركة ومساعدة الذين يسمونهم الفاعلين السياسيين على مسرح الأحداث. تذكروا المؤسسات العامة والشبه العامة والبنوك التي ابتليت بجراد بشري أتى على الأخضر واليابس، وأوقعت المالية العامة في خراب صناديقها الوردية والسوداء، وبالتالي رهنت مصير المغرب في اتجاه المجهول الذي لا تنفع معه كل هذه الترهات من المواقف والتصريحات التي تحاول الالتفاف والتعتيم على هذا الواقع الكارثي..
 من المستحيل إبقاء الوضعية على ما هي عليه.


Comentarios