- Obtener enlace
- X
- Correo electrónico
- Otras aplicaciones
“قد لا تكذب الصور، إنما الكاذبون يستطيعون أن يصوروا” لويس هين
يعتبر الاحتجاج السياسي أحد أشكال العمل السياسي الجماعي “الموجه نحو الاعتراض على سياسة أو العديد من السياسات، والتي تتميز ببراعة الظهور أو عرض ذي طبيعة غير تقليدية، كما يذهب إلى ذلك ليبسكي Lipsky، يتطلب الاحتجاج نية الانخراط في عمل سياسي أو اجتماعي للتعبير عن التغيير المنشود في السياسة أو الممارسة أو حتى التمثيل. اعتمادا على مستوى المشاركة، يمكن أن يتراوح السلوك الاحتجاجي من تقديم شكوى أو رفع عريضة إلى الإضرابات التخريبية.
منذ بداية التسعينيات أصبح الاحتجاج عُملة السياسة في المغرب وتحولت الساحات العامة في الحواضر كما في المداشر والقرى الهامشية إلى ساحة “أكورا” مليئة بالرموز والإشارات والأيقونات والخطابات واللغات الملفوظة وغير الملفوظة، وأصبح الشعار مثل نشرة إخبارية محملة بانفعالات جماعية، لا نجاعة للشعارات خارج الجماعة؛ فهي التي توحد أصوات الحشود المتضررة من قرار أو إهمال أو ظلم مس مصالحها ووحد أفرادها للصراخ، من أجل إبلاغ صوتها إلى من يهمه الأمر..
الصورة حاضرة هنا أيضا في الفضاء العام للاحتجاج، لقد أضحت جورنال الشارع العام، جزءا من المظهر الاحتفالي للاحتجاج، ليست الشعارات المكتوبة أو الشفوية والأعلام والرايات، وحدها من يؤثث فضاء الاحتجاج، إن الجيل الجديد من المحتجين يعبرون عن قضاياهم عبر الملصقات، المحمولات، العلامات، الكرافيتي، الصورة الفوتوغرافية ومن خلال الكاريكاتور، بل إن الجسد هنا أيضا أصبح أداة للتعبير، يُمسرح الاحتجاج، لبس أقنعة صباغة الجسد، تمثيل وضعيات، عاريات الصدور… تحرض، تعبر وأثرها بلا حدود، تترسخ في الذاكرة وتخضع لتعدد التأويلات المفتوحة.
إن الاحتجاج آلية للممارسة السياسية الشعبية أكثر تأثيرا من النشاط الانتخابي ومن الانخراط الحزبي التقليدي الذي لم يعد يؤثر -كما في السابق- على صناعة القرار السياسي أو في تمثيلية حقيقية للمواطنين… فاحتلال المحتجين بشكل يومي في المغرب لمساحات واسعة من الفضاء العام وأمام أمكنة ذات رمزية سياسية: عمالة أو ولاية، برلمان، وزارة أو مؤسسة عمومية، هو الذي يسهم الآن في ترسيخ ثقافة المواطنة، وينزع عن الاحتجاجات الاجتماعية الطابع الغرائزي والدموي.. ومع الانتشار الواسع للأنترنيت وشبكات التواصل الاجتماعي، زاد إبداع المغاربة في مجال توظيف الصور في الاحتجاجات بشكل ملفت للانتباه.. لا احتجاج في غياب الصور، لكن كيف يوظف المغاربة الصور في احتجاجاتهم؟ ما هي الدلالات التي تقوم بها الصورة كحامل لرسالة ولمشاعر وذات تأثير أقوى من الشعار المكتوب أو الشفوي؟
اشتغلت أبحاث عديدة، أمريكية خاصة، على الصورة في علاقتها بالاحتجاج من نواحي متباينة، وانصب اهتمامها على الإجابة على أسئلة من مثل: كيف تزيد الصور من المشاركة في سياق التعبئة للاحتجاج عبر الإنترنت؟ ولمَ تنجح الصور في الحركات الاحتجاجية الجديدة باعتبار أنها تولد أقوى ردود فعل عاطفية من النص المكتوب؟ وكيف تثير الصورة مشاعر الحماس والغضب والخوف للتأثير بشكل إيجابي على المشاركة في مجموعة واسعة ورفع مستوى الوعي لدى الجمهور أو مجموعات القضايا أو في إيصال رسائل المحتجين وبقاء أثرها حتى بعد انتهاء الاحتجاج؟
أصبح من المؤكد وعبر بحوث جادة اليوم أن للصورة تأثيرا كبيرا على العمليات الاجتماعية والسياسية نظرا لأن الدماغ البشري يدرك المعلومات المرئية واللفظية ويخزنها ويعالجها بآليات متميزة، فقد أكدت نظرية “بيفيو” Paivio’s Dual Coding 1989 التي تشير إلى أن الصور والنصوص تتم معالجتها من خلال طرق مميزة في القشرة المخية ويتم تخزينها بشكل مختلف، مع ترميز المعلومات المرئية مرتين وبالتالي فإن عملية تخزينها أكثر سهولة في الذاكرة. تتم معالجة المعلومات المرئية بشكل أسرع من المعلومات اللفظية. فبينما يستغرق الأمر حوالي 500 مللي ثانية أو نصف ثانية لترجمة الاستشعار (على سبيل المثال، السمع والشم) إلى إدراك واع (Libet 1991) ، يمكن للأفراد تحديد المحفزات البصرية المهمة من الناحية التطورية مثل الوجوه بعد 47 مللي ثانية فقط (تودوروف وآخرون 2005).
يرتبط الإدراك الحسي للمعلومات المرئية ومعالجتها العقلية الأخرى ارتباطا وثيقا. باستخدام تتبع العين، فالمعلومات المرئية لا تتم معالجتها بسرعة فحسب بل تستمر المعالجة المعرفية طالما استمرت فترة المراقبة. باتباع “افتراض العين والعقل” نفترض أنه كلما طال وقت المراقبة الذي يتم فيه توجيه الانتباه البصري إلى الصور، كان تأثيرها أكثر وضوحا على الإدراك.
حاجة الاحتجاج إلى الصورة دفع فنانين عديدين إلى استعمال الصورة كمنصة قوية للاحتجاج. ضد الاضطهاد والعنف والظلم وعدم المساواة… حيث أصبحت الصورة صوت من لا صوت لهم… يتحدى فن توظيف الصورة في الاحتجاج الحدود والتسلسلات الهرمية والقواعد التقليدية التي يفرضها من هم في السلطة. إنه عمل تحد. وهي مهمة للغاية لأنها يمكن أن تؤثر على تفكير عامة الناس، وعلى القادة والسياسيين. إذ غالبا ما تتحدث الصور بصوت أعلى من الكلمات.
نتذكر كيف أصبح دييغو ريفيرا أحد قادة الحركة الجدارية المكسيكية في عشرينيات القرن الماضي. حيث قام بإنشاء جداريات سياسية شعبية في جميع أنحاء المكسيك تضمنت هجمات على الطبقة الحاكمة والكنيسة والرأسمالية. على عكس ما اعتبره الطابع النخبوي للوحات في صالات العرض والمتاحف.
لكن ليست كل الصور حقيقية، فمن شر وسائل التواصل الاجتماعي أيضا، أن لا أحد أصبح يطالب بالحقيقة، ولم تنج الصورة من الكذب والتزييف بحذف السياقات والتحوير والفبركة والتضخيم وإسقاط وقائع قديمة على أحداث حية، وخطرها أقوى من المعلومات النصية الكاذبة، لذلك نجد الفاعلين وصناع القرار أصبحوا يهتمون بما ينشر ويخصصون خلايا لبحث وتحليل الصور المنشورة هنا وهناك خاصة في المسيرات الاحتجاجية، بل أصبح لصناع الرأي العام أيضا طرقهم في توظيف الصورة في الإخبار وفق ما تمليه مصالحهم.
toujours Mr Abdelaziz maestro dans ses interventions
ResponderEliminar