صحيفة السبيل الأردنيه الأحد 6 ذو الحجة 1436 – 20 سبتمبر 2015 أحمد ومريم - فهمي هويدي الأخبار أيضا حمَالة أوجه.
قصة
المخترع الأمريكي المسلم ذي الأصول السودانية أحمد محمد تشهد بذلك.
فهذا
الفتى البالغ من العمر ١٤ عاما اخترع ساعة جديدة وحملها معه إلى مدرسته في مدينة
ايرفينج بولاية تكساس ليطلع مدرس الهندسة عليها.
وفي
الصف دق جرس الساعة فجأة وهي في حقيبته المدرسية فاتجهت مدرِسته إليه لتعرف مصدر
الرنين.
وما
إن وقع بصرها عليها، ورأت شكل الساعة والأسلاك الموصولة بها حتى ارتابت في الأمر.
ولأن
الفتى مسلم وأسمر فأول ما خطر على بالها أن تكون الساعة قنبلة من ذلك النوع الذي يستخدمه
الانتحاريون في الأحزمة الناسفة.
لذلك
فإنها طلبت من أحمد أن يخرج بسرعة من الصف، وأبلغت إدارة المدرسة بشكوكها،
كما اضطرت الشرطة التي أرسلت فريقا من عناصر
مكافحة الإرهاب.
بعدما
قام هؤلاء بتكبيله، فإنهم احتجزوا الفتى في غرفة جانبية واشترك خمسة ضباط في
التحقيق معه بعد تفتيشه وتفريغ حقيبته المدرسية والتدقيق في جهاز «اللاب توب»
الخاص به.
هناك
أمطروه بالأسئلة حول القنبلة والقصد من تركيبها.
لكن صاحبنا ظل طول الوقت يحاول إقناعهم بأنها
ساعة جديدة ابتكرها.
نقلوه
بعد ذلك وهو مكبل اليدين إلى مخفر الشرطة لفحص بصماته ومحاولة التدقيق في خلفيته،
إضافة إلى تصويره من جميع الجهات.
وبعد
أن عاملوه كإرهابي طوال ٥ ساعات، لم يجدوا مبررا لاحتجازه فأطلقوا سراحه.
إلا أنه فوجئ بأن إدارة المدرسة فصلته مدة ثلاثة
أيام.
إلا
أن هذه لم تكن نهاية المطاف وإنما كانت البداية.
ذلك
أن صحيفة «دالاس مورنينج نيوز» وقعت على القصة، ونشرتها باعتبارها نموذجا لوباء
العنصرية المتفشي في المجتمع الأمريكي.
إضافة
إلى أنها أثارت غضب الجالية الإسلامية التي اعتبرت أن ما جرى لأحمد لم يكن له
دوافعه العنصرية فحسب، وإنما هو أيضا من أعراض ظاهرة الإسلاموفوبيا التي وضعت كل
مسلم في خانة المشتبهين والإرهابيين.
حين ذاع الخبر كان له دويه في مختلف وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي والدوائر العلمية. إذ صدم الجميع حين اكتشفوا أن المخترع الصغير تحول إلى إرهابي لمجرد أنه أسمر البشرة واسمه أحمد، وأن الساعة التي ابتكرها اعتبرت على الفور قنبلة قابلة للانفجار.
خلال ٢٤ ساعة تحول أحمد العاشق للهندسة والعضو في نادي «الروبوتات» بالمدينة التي تسكن فيها عائلته، إلى نجم تنافست وسائل الإعلام على الحديث معه ومتابعة قضيته.
وإلى
جانب تقارير كبريات الصحف وسيل تعليقات المدونين وجه موقع جوجل الدعوة إليه
للمشاركة في معرض علوم الذي يقيمه،
وشارك
في حملة التعاطف معه بعض المشاهير في الولايات المتحدة، منهم هيلاري كلينتون ومؤسس
موقع فيسبوك مارك زوكربرج،
واشتهر
تعليق كتبه الرئيس باراك أوباما حيا فيه أحمد وأشاد بعمله، ودعاه لإحضار ساعته معه
إلى البيت الأبيض، مضيفا قوله:
نريد
أن نشجع أطفالا آخرين أمثالك على حب العلم، فذلك ما يجعل أمريكا أمة عظيمة.
وقال
متحدث باسم البيت الأبيض إن زيارة أحمد للبيت الأبيض ستتم الشهر المقبل ليشارك في
«ليلة فلكية» يقيمها الرئيس ويحضرها عدد من العلماء ورواد الفضاء.
هذه القصة اختزلتها جريدة «الأهرام» يوم الجمعة الماضي ١٩/٩ في خبر على الصفحة الأولى كان عنوانه كما يلي:
«ساعة
أحمد تفضح المجتمع الأمريكي»،
وفي
الخبر أن قضيته «كشفت غياب التسامح عن ذلك المجتمع وأن البيت الأبيض حاول إنقاذ
ماء الوجه من خلال الرسالة التي وجهها الرئيس باراك أوباما إلى أحمد مخترع الساعة».
ما ذكرته جريدة الأهرام صحيح. لأن العنصرية في الولايات المتحدة حقيقة لا ينكرها أحد.
وقد
انتقدها الرئيس الأمريكي أكثر من مرة.
لكن قراءة الأهرام للقصة كانت من زاوية واحدة،
وتجاهلت ثلاث زوايا في الخبر غاية في الأهمية:
الأولى
رسالة الرئيس أوباما التي صوبت الموقف من خلال إدانة ضمنية لسلوك المدرسة والشرطة
ورد اعتبار أحمد بدعوته إلى البيت الأبيض.
والثانية
قوة وسائل الاتصال التي حولت القصة إلى قضية رأي عام وأحدثت صداها في البيت الأبيض
خلال أقل من ٢٤ ساعة.
الثالثة
تمثلت في قوة المجتمع الذي عبر عن تضامنه مع الفتى من خلال بيانات المؤسسات
العلمية ومنظمات المجتمع المدني والشخصيات العامة.
إن النقائص والرذائل لا يخلو منها مجتمع بشري، والفرق بين مجتمع وآخر يقاس بمعيار تعامله مع تلك الرذائل، هل يتستر عليها ويخفيها أم يعترف بها، فيكشفها ويحاول احتواءها وإصلاحها.
لذلك
فمن الصحيح أن القضية فضحت أحد أوجه المجتمع الأمريكي،
والأصح
أنها كشفت أيضا عن أوجه أخرى بينت مدى حيويته وقوته.
حين قرأت قصة الفتى أحمد قارنت فصولها بما جرى لتلميذة أسيوط مريم ملاك، التي حصلت على صفر في الثانوية العامة ــ رغم تفوقها ــ في قضية خلافية مثارة منذ أسابيع ولم تجد البنيَّة من يرد اعتبارها وينصفها.
وتذكرت
قصة الشاب المراهق محمود محمد الذي ارتدى قميصا «تى شيرت» كتبت عليه عبارة «وطن بلا
تعذيب»، وعاني بسبب ذلك أكثر من معاناة الفتى الأمريكى السوداني.
إذ
ألقي القبض عليه لهذا السبب ولا يزال مسجونا منذ نحو ٦٠٠ يوم، دون أن يجد من يصوب
ما جرى له.
شىء جيد أن يرفع المجتمع صوته بالإنكار أو الدعوة إلى التصحيح.
ويرتفع
التقدير إلى درجة الامتياز إذا وجد الصوت صدى وأذنا تسمع وتستجيب لنداء الإنصاف.
وحين
لا يحدث لا هذا ولا ذاك، فإننا نصبح بإزاء مشكلة مجتمعية وسياسية تعني أن بيتنا من
زجاج،
وفي هذه الحالة فإن إلقاء الحجارة على الآخرين
يصبح تطاولا في غير محله
Comentarios
Publicar un comentario