هذا المقال لا يتناول اليهود كدين أو كجماعات عشنا معها بسلام ووئام عبر التاريخ، بل يتطرق لحركة سياسية إيديولوجية اسمها " الصهيونية"،

 

هذا المقال لا يتناول اليهود كدين أو كجماعات عشنا معها بسلام ووئام عبر التاريخ، بل يتطرق لحركة سياسية إيديولوجية اسمها " الصهيونية"، التي ظهرت في أواخر القرن التاسع عشر، وتسببت في تمزيق ذلك التعايش الذي كان بين الأديان، وفي خلق صراعات متكررة لم تكن موجودة من قبل.
عندما أصدر الكاتب عباس محمود العقاد كتابه "الصهيونية العالمية" الذي صدر سنة 1952 بعد النكبة ، رآه البعض متشددا و مبالغا في اعتقاداته ، لكن الكتاب كان في الواقع قراءة مبكرة لمشروع الهيمنة الذي يتجاوز فكرة إقامة وطن قومي لليهود، إلى بناء نفوذ واسع في مجالات المال و الأعمال و الإعلام و السياسة في العالم . و مع مرور الوقت أثبتت التطورات أن العقاد ربما كان يرى أبعد مما رآه معاصروه.و غلاف الطبعة المشهورة من الكتاب ، يحمل صورة كرة أرضية ،يدور حولها و يخنقها ثعبان في رمزية واضحة إلى الفكرة. و الثعبان هنا رمز للاحتواء و الخنق و المكر ،و هو تقليد رمزي قديم استخدم في العديد من الأعمال الفنية و السياسية للتعبير عن الشر أو التهديد المختفي.
إن الصهيونية حركة سياسية وفكرية نشأت أواخر القرن التاسع عشر، تهدف إلى إقامة وطن قومي لليهود، وحققت ذلك بإنشاء دولة إسرائيل عام 1948. لكنها سرعان ما توسعت لتصبح شبكة نفوذ عالمية، تتغلغل في القرار السياسي والاقتصادي والإعلامي.
فقد نشأت رسميًا في مؤتمر بازل سنة 1897 بقيادة تيودور هرتزل، الذي دعا إلى إقامة وطن لليهود في فلسطين، مستغلًا اضطهاد اليهود في أوروبا (اللاسامية). وقد لقيت دعمًا سياسيًا واضحًا، أبرزها وعد بلفور سنة 1917.
أما فيما يتعلق بوسائل تغلغل هذه الحركة، فتجدر الإشارة أنها سيطرت إعلاميا على شبكات كبرى تؤثر على الرأي العام العالمي، كما بسطت نفوذها على البنوك الدولية و أسواق المال ، و من الناحية السياسية أصبحت تضغط على الحكومات عبر لوبيات قوية ، بالإضافة إلى الهيمنة على الثقافة و التعليم عبر مؤسسات أكاديمية و إعلامية تعيد صياغة التاريخ لخدمة أهدافها .
فهل ستستولي الصهيونية على العالم ؟
لا أظن ذلك، لكن تغلغلها في مراكز القرار العالمي هو واقع ملموس، و هناك عوامل ربما سوف تحد من طموحها مثل صعود قوى عالمية بديلة كالصين على سبيل المثال ، و هناك أيضا تنامي وعي الشعوب التي أصبحت تنظر إلى هذه الهيمنة بجدية و تبصر، و كذلك هناك وجود مقاومات فكرية و شعبية ترفض الهيمنة الثقافية و السياسية .
إن الصهيونية العالمية ليست مجرد مشروع قومي، بل منظومة تأثير عابرة للحدود، تسعى للسيطرة لا عبر الجيوش فقط ، بل عبر الأفكار والأموال والإعلام، ولا يمكن التصدي لها إلا عبر بناء وعي نقدي، واستعادة الخطاب العقلاني، وتحصين المجتمعات من الاستلاب الثقافي و الفكري .

Comentarios