كلمة المجلس الوطني لحقوق الانسان في لقاء حول الذكورة الإيجابية

 

 


السيدة وزيرة التضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة؛

السيد وزير الشباب والثقافة والتواصل؛

السيد ممثل صندوق الامم المتحدة بالمغرب؛

السادة والسيدات ممثلي القطاعات الحكومية والمؤسسات وهيئات المجتمع المدني

حضرات السيدات والسادة الكرام؛ 

 

اسمحوا لي في البداية أن أشكر وأهنئ المنظمين على وجاهة اختياركم لموضوع الذكورة الإيجابية كمنهج مبتكر يسعى لتغيير العقليات والمواقف والسلوكيات المناهضة للمساواة كما أن هذا اللقاء يشكل فرصة، قيمة ومتجددة، للتحسيس بأهمية تعبئة مختلف مكونات المجتمع من أجل النهوض بحقوق النساء ومناهضة العنف القائم على النوع.

 

حضرات السيدات والسادة الكرام؛ 

لابد من التذكير بأن المغرب قد حقق تقدما كبيرا في مجال حماية حقوق النساء حيث تميزت السنوات الأخيرة باعتماد تشريعات واستراتيجيات وطنية تتضمن تدابير تعزز الحقوق الإنسانية للنساء وتضمن حمايتهن من الانتهاكات وتمكنهن من الولوج إلى حقوقهن الاقتصادية والاجتماعية وإلى سبل الانتصاف والعدالة، إلا أن الواقع يبين أن الجوانب القانونية والمؤسساتية وحدها لا تكفي لتحقيق فعلية حقوق النساء وتحقيق المساواة والقضاء على التمييز ضد النساء.

فمن خلال عملية رصد وضعية حقوق المرأة التي يقوم بها المجلس الوطني لحقوق الانسان  في مختلف المجالات باعتبارها قضية جوهرية في عمله و ترافعه كمؤسسة وطنية تسهر على حماية حقوق الانسان و النهوض بها، فإننا نؤكد اليوم  أننا إلى جانب ضرورة سن التشريعات و تجويدها المستمر و الرفع من مستوى السياسات العمومية في هذا المجال نحتاج  لآليات موازية لتحقيق التوازن داخل مجتمع يحمي نساءه من انتهاك حقوقهن و يدعم المساواة و مناهضة التمييز و العنف ضدهن، وهي آليات ذات أبعاد اجتماعية وثقافية  تأخذ بعين الاعتبار  العادات والتقاليد النمطية الضاغطة و المتوارثة و التي تحدد أدوار كل من الرجل والمرأة و تعيد إنتاج نموذج مجتمعي يحتفظ  فيه الرجال بأدوار اجتماعية مهيمنة على النساء، فيكفي أن ننظر إلى الأرقام التي تشير إليها الدراسات حول العنف ضد النساء و الحقائق التي تكشف عنها. فقد كشف مخرجات الحملة التي قادها المجلس طيلة سنة و التي 2022أسفرت عن تقرير يوضح فيه الكثير من أوجه العنف المستمر حيث قد تصل جرائم العنف إلى أبشع صورها والتي تعرف منحى تصاعديا يحتكر الرجال ارتكابها، إلى جانب الصعوبات التي تواجه الناجيات من العنف في التبليغ والخوف من انتقام المعنِّف ناهيك عن المعيقات السوسيو-ثقافية المتعددة الأبعاد و المرتبطة أساسا ببنية المجتمع و قواعده التي تضغط عليهن ولا تدعمهن في مسار تحقيق الانتصاف.

وعلينا القول أن استمرار نماذج الهيمنة  المجتمعية  الذكورية السلبية المؤدية الى العنف والاقصاء والتمييز ضد النساء مكلفة للمجتمع لأنها تسلب الإرادة الإنسانية للنساء وتحرمه من ممارسة أدوارهن الريادية و مساهمتهن الكاملة والفعالة في النمو.  فالأدوار المهيمنة السلبية للرجل تؤدى إلى وجود تراتب اجتماعي يولد العنف والتمييز، باعتبار أن الرجل المسيطر والمهيمن هو الذي يمثل الصورة الأمثل لما يجب أن يكون عليه الرجل الحقيقي والتي تتمثل بالعنف وكبت العواطف والخوف من التعاطف وهي الصورة التي يسعى الذكور لتبنيها للحصول على القبول الاجتماعي. وهو في نفس الوقت نموذج الرجل الذي يسعى للعيش وفقا للصور النمطية والقوالب الاجتماعية التي تمنع مسيرة التطور.

 

 

 

حضرات السيدات والسادة الكرام؛ 

إن تحقيق المساواة والقضاء على العنف والتمييز ضد النساء رهين بإدراكنا لطبيعة العقلية الذكورية السوسيو- ثقافية المهيمنة داخل المجتمع واستمرار نماذج الذكورة المهيمنة السلبية وإمكانيات تغيير سلوك الأفراد رجالا ونساء وتحسيس المجتمع بأهمية الأدوار الإيجابية للرجال و الجيل الناشئ من الشباب.

 وإذا ما أردنا إنهاء مظاهر هاته الثقافة السائدة لزم علينا كسر الآليات التي تعيد إنتاج نماذج الذكورة المناهضة للمساواة وعدم التميز وتعميق فهم المعاني التي تحملها الذكورية الإيجابية وتعميمها في المجتمع بمختلف مكوناته كنهج يقدم نمطا جديدا للرجولة ومقاربة مختلفة للعلاقات الإنسانية تجعل من الرجال شركاء في التغيير وفي بناء مشروع مجتمعي يقوم على المساواة بين الجنسين ومناهضة العنف القائم على النوع الاجتماعي. ولعل بروز مبادرات شبابية تحمل هذا المشروع وملتزمة بالسير قدما لتحقيقه مؤشرا إيجابيا بازدياد الوعي ويحمل أملا في تحقيق نموذج المجتمع المنشود الذي تسوده العلاقات المبنية على المساواة والاحترام بين النساء والرجال والفتيات والفتيان.

ولتعزيز هذه الجهود لابد من معالجة جذرية للثقافة الخاطئة من خلال قنوات التربية على قيم المساواة وعدم التمييز والتنشئة الصحيحة من خلال تطوير أدوات بيداغوجية تترجم مفهم الذكورة الإيجابية التي من شأنها أن تكسب الجيل الناشئ سلوكا مواطنا يعزز الممارسات السليمة ويرفض كل السلوكيات الخاطئة الممارسة ضد المرأة داخل المجتمع

 

فلتعبأ من أجل بناء رسخ دولة و مجتمع العدل و المساوات رجالا ونساء مؤسسات و فاعلين مدنيين  

أمينة بوعياش رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان

Comentarios