صرخة البداية بقلم: سعيد جديدي ترجمة وتنسيق: الاستاذ أحمد العمراوي

 

 


الفصل الأخير

 مارتيل 1990

 


 كانت الرسالة مؤرخة في مدينة باناما يوم 20 ديسمبر 1989، كان نظام نورييغا يحتضر. وكان الجنرال يعيش لحظاته الأخيرة كزعيم للبلاد وكمواطن بانامي حر. في ورقة من أوراق فندق: ماريتو باناما" كتبت مارتا ما يفترض أنه، وكذلك كان، آخر اتصال بالحاج أحمد بن علي. وكان آخر اتصال بعد وفاته لأن الحاج كان قد توفي سنوات قبل ذلك دون أن تعرف ذلك مارتا أو هكذا يتبين من رسالتها.

حاج حاج حاج،، هكذا بدأت الرسالة. لقد قررت هذه الليلة أن أكرمك. لقد طلبت قهوة لك، وقنينة نبيذ أحمر لي بالإضافة إلى بعض الزيتون. لقد شربت النبيذ وأكلت كل الزيتون.. كله. إلا واحدة أعدتَ لي عظمها. إنه كالتكريم الذي نقوم به لأمواتنا، ليس لأني اعتقد أنك قد مت، بل لأن الأمر يتعلق بإحدى العادات الجميلة جدا عندنا هنا في المكسيك. نحتفل بذلك يوم 2 نوفمبر. نضع عرضا في المنزل أو في المعبد والعرض هو عبارة عن إكليل ورد برتقالي، أو يقطين حلو، أو "تيخوكوتي" محلي، أو أناناس، قصب وخاصة ما كان يعجب موتانا أكله أو شربه ويسكرون كما لو كانوا أحياء.

أتعرف يا حاج؟ أنا لي فقط ميتان: أجدادي. وآباء أمي، كنت معهم منذ ولادتي. أتذكر خاصة جدي. كان اسمه سانتياغو وكان من عادته أن يتبعني في السلم بعصا في يده. كان يقول لي: واحدة من آل غارثيا من مدينة آلبا لا تبكي أبدا."  أحبهم كثيرا ولا أريد أن يكون لدي أموات آخرون و أعتقد أنه وجب لهم الاحترام و التقدير الواجب نحو كبار السن.

لكن..هيا نشرب، أنت بعيد. لا أعرف إن كنت قريبا أم بعيدا كموتاي، ولكن هنا توجد قهوتك في انتظار أن تأتي وتشربها. وأنا سأنتظر الليل كله لكي تأتي وتشربها. هذه الليلة هي ليلتك. ليلته، ليلة الأرواح، أيضحكك هذا؟

هذا وجدته في كتاب أقرؤه هذا المساء " ماديرو الآخر". هي قصة مؤلفة حول أحد رؤسائنا: فرانسيسكو ماديرو، والذي بدأ ثورتنا. كان يؤمن بوجود الأرواح. وكان في كل يوم أربعاء يقوم بحفلة لتحضير الأرواح في منزله. وكان يؤمن بكل شيء، كان هو من قام بالثورة.

ولا أعرف لماذا أجدني نشطة. ربما لأن الجنرال نورييغا وجنوده يبدون لي كالأرواح الشريرة. أرى الناس، أسمعهم يتكلمون ولا أحس هنا إلا بالرعب المفروض. إنك ترى الوجوه وتلاحظ في وجوه الناس الخوف. لا أحد يعرف الآخر. هناك عيون جواسيس في كل الأنحاء، والناس يختفون شيئا فشيئا دون أن  يتقدم أحد ليصرخ أو يشتكي، لأن الحياة تسير بالخوف.

إن أعياد الميلاد تقترب وباناما تبدو غارقة في حزن كبير. والمتاجر تقريبا فارغة، والبيروقراطيون تأخروا شهرين في الدفع، يسود الشقاء ويجرح.

ولكن لا . لا أريد أن أفكر في هذا. اشرب قهوتك. لنشرب نخبنا، من أجل الحب؟ ربما هي مبالغة. طيب على الأقل لنشرب نخب ذلك المساء حينما...أتريد أن أصارحك؟ نعم. هذه الليلة أحس أني حزينة جدا. يحزنني أن أعرف أنك تحتاج أن تعانقني. سأنتبه عما قليل بأنني أحس أني وحيدة، وأني -هناك إلى جانبك- كنت أشعر بالدفء والجمال.

أحبك يا حاج، ودائما سأحبك. مارتا.

كانت الرسالة ما تزال جديدة تقريبا. والطابع شبه التاريخي يشير إلى باناما في فترة الجنرال نورييغا وإلى مطامع أمريكا ورغبتها الجيوسياسية غير المحسوبة، وأنظارها التوسعية، ولكن ذلك رأته فقط عيون: إيدنا. كان ذلك يشبه اعتناق دين آخر، شيء يشبه اللهفة للقراءة مرة، مرتين،ثلاث، مائة، ألف مرة الرسالة نفسها والتي لم يقرأها أحد بمن فيهم المرسل إليه.

كان وادي مارتيل في الأيام الاولى من شهر ذي القعدة من عام 1419( الموافق لمارس 1998) يشكل تجمعا في طور التقدم، والازدهار والتوسع. فقط السكان الأجانب هم من كان يجهل بأن ذلك الرخاء لم تكن له علاقة برفاهية السكان الأصليين. كانت هناك مجموعات صغيرة من أبناء المنطقة تتجول متسائلة وحائرة،  والسبب أنه في السابق كان هناك فضاء ومنظر، واليوم ارتفع الاسمنت وسادت الفوضى كثيرا. كان بار بلايا ما يزال كالبوصلة التي كانت تشير إلى الماضي المتقشف لكن السعيد.

وحدها مياه المتوسط الهادئة لم تغير مكانها. وكذلك صوت رجل بطابعه التطواني كان يردد في إيقاع و دون توقف:" أقنعتني يا سيدتي، رغم أن ذلك ليس صحيحا، معك لم يكن ولن يكون هناك ألم. والآن عندما أردت تبديل الزهرة بالبندقية، انت ستقولين، أنت أو لا أحد، ليس للحب لون ولا دين، غدا بين ابتسامة و أخرى، وفي ظل رموشك سأكون شاهدا على أنهم قد بكوا، صلوا، نفوا. كنت أود أن تدفنيني في قلبك.. سألومك على توهمك..وسأقبل بأن يشتموني لأني اعتقدت أنك مخلصة، لكن بسذاجة، وأنه بعد العاصفة دائما يأتي الهدوء.

لا راحة ولا روح، فقط سيدة عظيمة مثلك أنت، سيدتي، سيدة الكل، سيدة واحد أو لا أحد، أنت التي علمتني بأنه يجب ألا نبكي ولا نعاني أبدا في الربيع، لأن الشتاء يمكن أن يغضب. أنت حبي كله، سنبلة في عيون فقير عاشق مذنب، أخبريني: كيف يعاني الجرحى حتى الموت؟لا. لن أكشف لك أبدا عن شاهد قبري لأنه لم يكن ولن يكون هناك واحد من أجل إنسان حي. مجروح واحتضر، لكن مازلت أتمسك بخيط في الحياة. هذا الخيط هو أنت. رائحتك تغذيني و تنفس كربتي، تواسيني وتلهيني، إنها كالريح، إنها كلحظة، كما كنت تحبين وصفها  بأنها:  صرخة........البداية.................................. لا أكثر.

 

تمت.

 

 

Comentarios