صحافة وسخافة بقلم المختار الغربي




     ممارسة الصحافة تعنى بكل بساطة الحكى، وليس أي واحد يمكن أن يحكى، بمعنى أن يقول ما لديه وما يعلمه وما يسمعه. البساطة في البحث عن الأخبار، التأكيد على أنها حقيقية وغير ملفقة أو مدسوسة، البساطة في فهمها وتحليلها وتلقينها وتقديمها للقارئ بالطريقة الأكثر بساطة وسلاسة لمساعدته على فهمها، وعن طريق هذا الفهم يستطيع أن يفهم العالم، كما يستطيع أن يفهم نفسه.

   الترحال السياسي علامة مغربية ومنتوج مغربي خالص لم يسبقنا إليه أحد في العالم، وبواسطته هاجر الكثيرون من أدعياء السياسة والتحزب من حزب إلى آخر ومن انتماء إلى غيره. كما تعتبر تجارة سياسية رابحة ومثمرة، من أهم منافعها أنها قد تجلب لصاحبها، إما منصبا كبيرا أو الحماية من المتابعة القضائية أو حتى منصبا وزاريا، وغيرها من المنافع التي لا يتقن اقتناصها إلا سياسيونا الأشاوش.

    هذا المرض الخبيث وصلت عدواه إلى الصحافة، حيث الكثيرون يغيرون اتجاهاتهم من موقع إلى آخر بدون حساسية، من حزب إلى آخر ومن جريدة إلى أخرى ومن منبر إلى غيره، ولا تهم في هذا الشأن القناعات السياسية أو المبادئ الأخلاقية أو أي شيء من هذا القبيل، لأن الصحافة، خلال السنوات الأخيرة أصبحت كأية مهنة أخرى تتطلب البيع والشراء، طبعا في الذمم والأفكار وبيع الأوهام.

    بهذا التوجه، تجد شخصا يكتب لحزب وكأنه داره، وغدا تجده يخربش لحزب آخر. كما تجد "صحافيا" يكتب في جريدة، طبعا من أجل المال، وغدا تجده في جريدة أخرى مناقضة تماما للأولى في خطها التحريري أو في انتمائها لجهة مخالفة للجهة الأخرى. لكن، يجب الاعتراف أن بعضهم هم مجرد أشخاص يتقنون القفز على حبال الانتهازية، واستغلال "أحوال السوق" ولا علاقة لهم بالصحافة وأخلاقياتها المهنية، بل وليس لهم أية معرفة "بالمعرفة" لهذه المهنة، التي قالوا عنها منذ أمد بعيد بأنها مهنة لا مهنة له، وقد صدق من قالها. بل قد تجد واحدا منهم يكتب لجريدة معروفة بصفته مراسلا، وهو في حقيقة الأمر مراسلا لنفسه، لأنه لا يمارس الصحافة، بل يستعملها للابتزاز والتشهير وتصفية الحسابات والتهديد، وبين كل ذلك ممارسة التجارة عن طريق القلم والكتابة.

    لو قدر لهذه المهنة أن تنتظم، كما هو الحال عند الآخرين، لأحلنا على المزابل 90 بالمائة من "الصحافيين".


Comentarios