يستحق القراءة: أكثر من 183 سنة مفقودة من تاريخ الإسلام .. أين اختفت ؟ بقلم الدكتور نزار الحيذري




    أود أن الفت عناية كل من يقرأ هذا الموضوع أني لا أقصد الإساءة أو الإهانة لكائن من يكون، وتحديدا المشايخ والفقهاء باختلاف مكانتهم، إنه بحث موضوعي علمي تاريخي يطرح أسئلة، ويحتاج إلى الإجابات الواضحة التي لا تقبل الشك على قدر ما سوف أطرحه من أسئلة وعلامات استفهام غاية في الأهمية من وجهة نظري.
الموضــــــوع:

    يستند السواد الأعظم من المسلمين في أحاديث الرسول (ص) إلى مراجع وكتب كصحيح مسلم والبخاري والترمذي وغيرهم استنادا رئيسيا كاملا لا يقبل التشكيك وفق ما يعتقدونه.. فلننظر للحقائق التاريخية هذه:

انتقل النبي (ص) إلى جوار ربه سنة 11 هجرية

1- صحيح البخاري: مؤلفه هو محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة بن بردزبه الجعفي الملقب بالبخاري. وسمي بالبخاري نسبة لأصل ومكان مولده في مدينة بخارى في خراسان الكبرى ( أوزبكستان حاليا )،ولد سنة 194 للهجرة وتوفى في 256 للهجرة ( عمره 62 سنة ) ولد بعد وفاة النبي بـ 183 سنة ؟

2- صحيح مسلم: مؤلفه هو أبو الحسين مسلم بن الحجاج النيسابوري المولود في مدينة نيسابور في بلاد فارس سنة 206 هجرية .وتوفى بها سنة 261 هجرية ( عمره 54 سنة ) ولد بعد وفاة النبي بـ 195 سنة ؟
3- سنن النسائي: مؤلفه هو أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب بن علي بن بحر بن سنان النسائي، المولود سنة 215 هجرية في مدينة بنساء وهي بلدة مشهورة بـ خراسان (أوزباكستان حاليا ) ،وتوفي في مدينة الرملة بفلسطين سنة 303 هجرية ( عمره 88 سنة ) ولد بعد وفاة النبي بـ 204 سنة ؟

4- الترمذي: مؤلفه هو محمد بن عيسى بن سَوْرة بن موسى بن الضحاك السلمي الترمذي الملقب بأبو عيسى الترمذي، المولود في ترمذ وهي مدينة جنوب أوزبكستان المولود سنة 209 هجرية والمتوفى سنة 279 هجرية ( عمره 70 سنة ) .ولد بعد وفاة النبي بـ 198 سنة ؟

5- ابن ماجه: مؤلفه هو عبدالله محمد بن يزيد بن ماجة الربعي القزويني المولود في بلاد فارس سنة 209 هجرية وتوفي في رمضان سنة 273 هجرية ( عمره 64 سنة ) .ولد بعد وفاة النبي بـ 198 سنة

    هؤلاء السادة من أهم مراجع أسس الحديث لدينا، وهم من يعتقد إنهم الأصدق نقلا وهم من اجمع عليهم كل علماء الأمة على حقيقة وصدق نقلهم وتوثيقهم لكل أحاديث الرسول (ص). وجميعهم ليسوا عربا .. ولا أقصد التشكيك بعقيدتهم لكنهم ليسوا عربا أي لم يولدوا في أرض الجزيرة العربية أصل ومنبع الإسلام.

حسنا لننظر الآن للأهم؟

    هل تستوعبون ماذا تعني أرقام (183 و 195 و 204 و 198 ) من السنوات في الحياة البشرية ؟ فقد حدد علماء الأحياء الفترة الزمنية لـلجيل ب33 سنة ،بمعني إن الفاصل بين وفاة النبي وظهور مؤلفي الأحاديث هؤلاء هو 6 أجيال … فالزمن يتطور والبشر يتغير زائد التحولات الشخصية لرواة الحديث التي لا يمكن الوثوق فيها ،ومن دوام اتزانها أو استمراريتها … بمعنى ربما يكون في هذا اليوم عاقلا وغدا مجنونا أو اليوم فاسقا فاجرا وغدا ربما قد يتحول الى إنسان ورع وتقي  وأصل البشر مذنبون وخطاؤون يصيبون ويخطؤون ،يجمعون ما بين الخير والشر والصواب والخطأ والحسنات والسيئات وليسوا ملائكة معصومين منزهين … إذن موضوعنا وأصل الخلاف هو وجود أكثر من 6 أجيال وسنوات ،وهي حقبة زمنية مفقودة لا أحد يعلم عنها شيئا وغير ثابتة بالأدلة والبراهين العلمية التي لا تقبل الشك أو اللبس … وحتى أكون دقيقا فإن البخاري ومسلم والنسائي والترمذي وابن ماجه،  جميعهم لم يروا ولم يعرفوا ولم يعايشوا بل لم يولدوا أصلا في عهد الرسول أو في عهد صحابته أو حتي في عهد تابعيهم:

1- أبو بكر الصديق – حكم من 11 هـ إلى 13 هـ = 632م
2- عمر بن الخطاب – حكم من 13 هـ إلى 23 هـ = 634م
3- عثمان بن عفان – حكم من 23 هـ إلى 35 هـ = 644م
4- علي بن أبي طالب – حكم من 35 هـ إلى 40 هـ = 661م
5- معاوية بن أبي سفيان : 41 – 60هـ = 661 – 680م
6- يزيد الأول بن معاوية : 60 – 64هـ = 680 – 683م
7- معاوية الثاني بن يزيد : 64هـ = 683 – 684م
8- مروان بن الحكم : 64 – 65هـ = 684 – 685م
9- عبد الملك بن مروان : 65 – 86هـ = 685 – 705م
10- الوليد الأول بن عبد الملك : 86 – 96هـ = 705-715م
11- سليمان بن عبد الملك : 96- 99هـ = 715 – 717م
12- عمر بن عبد العزيز : 99- 101هـ = 717 – 720م
13- يزيد الثاني بن عبد الملك : 101 – 105هـ = 720 – 724م
14- هشام بن عبد الملك : 105-125هـ = 724 – 743م
15- الوليد الثاني بن يزيد الثاني ( قتل ) : 125-126هـ = 743 – 744م
16- يزيد الثالث بن الوليد الأول : 126 – 126هـ = 744م
17- إبراهيم بن الوليد الأول ( قتل ) : 126 – 127هـ = 744م
18- مروان الثاني بن محمد ( قتل ) : 127 – 132هـ = 744 – 750م
19- عبد الله بن محمد – السفاح أبو العباس : 132هـ – 136هـ = 750م – 754م
20- عبد الله بن محمد – أبو جعفر المنصور : 137هـ – 158هـ = 754م – 775م
21- محمد بن عبدالله – أبو عبد الله – المهدي : 158هـ – 169هـ = 775م – 786م
22- موسى بن محمد – الهادي : 169هـ – 170هـ = 786م – 787م
23- هارون بن محمد – هارون الرشيد : 170هـ – 193هـ = 787م – 809م
محمد بن هارون – الأمين : 193هـ – 198هـ = 809م -24

البخاري ومسلم والنسائي والترمذي وابن ماجه ،جميعهم لم يروا ولم يعرفوا ولم يعايشوا كل الخلفاء الراشدين وخلفاء المسلمين وولاة أمورهم !!! بل لم يولدوا بعد ولم يولدوا حتى في الجزيرة العربية … إذن من أين جاؤوا بأحاديث النبي الرسول .. ؟ وما هي مصادرهم ومراجعهم ؟ ومن هم شهودهم على كل حديث ؟ وأين هي وثائقهم التي خطوها بأياديهم بأصلها ؟ بمعنى أن تأتي بـ200 أو 300 أو 500 حديث ،فيجب أن يقابلهم نفس الرقم بمخطوطات أصلية فأين هي تلك المخطوطات ؟ إنه دين وعقيدة وشريعة وليست وجهات نظر نختار منها ما يحلوا لنا ونترك منها ما لا تهواه قلوبنا ؟
أين هي خطب الجمعة ؟
لن أقول أن الرسالة استمرت 21 سنة بل سأقول وسأفترض أنها فقط 10 سنوات ولنحسبها … الشهر فيه 4 أسابيع فيه 4 أيام جمعة × السنة 12 شهرا = 48 × 10 سنوات = 480 خطبة جمعة … من المفترض أن تكون موجودة في كتب البخاري ومسلم وغيرهم فأين تلك الخطب..؟ … فهل من المعقول أن كتب البخاري ومسلم وغيرهم جاءت بآلاف الأحاديث العامة والشخصية التي نسبت للنبي ولم تستطع أو ضعفت وعجزت عن سرد خطب الجمعة.. ؟ !!! ؟ ولا خطبة واحدة..!! انه فعلا أمر غريب
 الأسئلــــــــــــــة

1- أين كتبة الرسول (ص) وأين ما خطته أيديهم..؟
2- أين ما كتب ونقل عن آل البيت جميعا ؟..؟
3- أين ما كتبه صحابة الرسول .. ؟
4- أين الحفظة والثـقاة من شخصيات الصحابة والتابعين العرب ؟
5- هل رجال الدين عقدوا صفقات مع الخلفاء على حساب الدين ؟
6- هل العهد الأموي الغير مستقر كان السبب بحجب تلك الأحاديث أو تزويرها ؟
7- من حرق أو أتلف المخطوطات الأصلية للأحاديث والسيرة بدقتها وبشهودها ؟
8- من كانت له مصلحة حجب الحقائق .. ؟
9- هل صراع الأمويين مع خصومهم وغيرهم كان سبب ذلك الحجب..؟
10- لو لم تجدوا مؤلفات البخاري ومسلم أمامكم فماذا ستكون حياتكم في أيامكم هذه ؟
11- من له مصلحة بأن يستبعد القرآن الكريم ويستبدله بالأحاديث النبوية التي تقولت على النبي وجاءت بتحريم ما لم يحرمه رب العالمين أصلا في كتابه ؟

    أيعقل أن أمة الإسلام من بعد وفاة الرسول (ص) بأكثر من 6 أجيال وبأكثر من 183 سنة وبعد أكثر من 24 خليفة  للمسلمين ، انه لم يوجد تجميع للأحاديث ؟ حتى جاء مسلمون وغرباء عن ثقافة العرب وخصائصهم من خراسان وبلاد فارس حتى يعلموا المسلمين عن كل ما نقل عن الرسول وكأنه لم يوجد من آل البيت ولا الصحابة ولا الثقاة ولا الكتبة .. وكأن أمة العرب التي خرج الإسلام من رحمها في الجزيرة العربية كانوا كلهم أمواتا.

    نريد أن نعرف الحقيقة عن حقبة 6 أجيال و 183 سنة، ماذا حدث فيها وأين كل ما كتب يدويا عن الرسول.. ؟ لا تقبل بالشك ولا بأحاديث ظنية ورواة مجهولين وأغلبها وجهات نظر شخصية ..مع التنبيه والتذكير أن الكثير من مخطوطات وآثار الحضارات السومرية والبابلية والفرعونية التي تعد أهم حضارات عرفتها البشرية لا تزال قائمة إلى يومنا هذا رغم آلاف السنين التي تفرقنا عنهم ، رغم أن عهد الرسول جاء بعدهم بفاصل زمني كبير وهو اقرب لعصرنا نسبيا ..!! فاغلب وثائقه مفقودة ..!!؟؟؟
   أفيدونا يامن يسمون أنفسهم بعلماء الأمة هل هناك مؤامرات وسرقات وخيانات تمت على الدين نفسه من أهل الإسلام أنفسهم ؟  لأننا ما قرأنا يوما أن الروم أو التتار أو المغول أو الفرس أو كائن من يكون قد غزا مكة أو المدينة واحتلهما احتلالا ولا حتى ليوم واحد .. في حين أن خلفاء مسلمين عرب دمروا الكعبة وقتلوا صحابة الرسول وتابعيهم.

   فإن كانت هناك خيانات ومؤامرات وسرقات وإتلاف وحرق متعمد لأحاديث النبي فالأمر يجب أن يفضح ..!! مع العلم إن المخطوطات الأصلية للأحاديث غير موجودة ولم يجري الحديث عنها في أي مرجع  فهل هذا يعني أن كل كتب البخاري ومسلم والنسائي والترمذي وابن ماجه كتب لا يعتد بها وغير موثوقة وربما هي مزورة أو تم تحريفها. 
باب الاحتمالات في هذا الموضوع مفتوح على مصراعيه … وإن كنتم تخافون يامن تدعون أنفسكم بعلماء الأمة من أن الأمة قد تفتن أو يفلت زمام أمورها من بين أيديكم أذا عرفوا الحقيقة فهذا عذر أقبح من ذنب.
  فلا يجوز بأي حال من الأحوال ومهما كانت الأسباب والمبررات بأن نتقول على رسول الله عليه الصلاة والسلام ،ونأتي بأحاديث غير مؤكدة المصدر ودون سند تاريخي مادي وحقيقي … وبالتالي فالأمر قد لا يخلوا من التزوير والتحريف مثلما تم تزوير حقائق تاريخية إسلامية كثيرة وسرد قصص كاذبة وخيالية لا نعرف مصدرها الحقيقي وهذا ليس بموضوعنا ؟ 

وبما أنني مسلم موحد يؤرقني أن أعرف الحقيقية كاملة وهذا حقي الفكري والمنطقي والشرعي .. ماذا حدث في 183 سنة الغائبة ؟

وهكذا جاء الرد من الدكتور عائض القرني:

الرد على د. نزار الحيدري ومقالته في مجلة الولاية الإخبارية بعنوان
(أكثر من 183 سنة مفقودة من تاريخ الإسلام، أين اختفت؟)


كتب د. نزار الحيدري مقالاً في مجلة الولاية الإخبارية بعنوان: (أكثر من 183 سنة مفقودة من تاريخ الإسلام، أين اختفت؟) يقصد المدّة الفاصلة بين وفاة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحاب الكتب الستة وغيرهم، وملخص مقاله: أن هناك فراغاً تاريخياً مفصولاً ومعزولاً سقط من حياة أمة الإسلام وأن هناك حلقة زمنيّة تاريخية سقطت من عالم الرواية والنقل بين رسولنا صلى الله عليه وسلم وبين أصحاب كتب الحديث النبوي كالبخاري ومسلم وغيرهما، ومن حق الدكتور أن يسأل ومن حقنا أن نجيب وبحكم دراستي للسُّنة النبوية لأربعين سنة ما بين الإعدادي والجامعي والماجستير والدكتوراه فأقول مستعيناً بالله: السؤال الذي طرحه الكاتب لإجابته أحد احتمالين: إما أنه بالفعل حصل خطأ تاريخي وغلط منهجي تشريعي في سقوط هذه الفترة الزمنية (183) عاماً من حياة الأمة وقد غفل عنها العلماء والخلفاء والمحدّثون والفقهاء وعلماء الجرح والتعديل والنقد في العالم الإسلامي طولاً وعرضاً لأكثر من ألف عام وتواطؤا على السكوت ولم ينتبه أحد حتى جاء هذا الكاتب فاكتشفت هذا الخطأ من بين آلاف الملايين من المسلمين عبر أكثر من عشرة قرون فيكون هو الوحيد في العالم الذي يسجل له براءة اختراع لهذا الغلط الفادح الفاحش أو أن هناك جواباً آخر غفل عنه الكاتب نزار الحيدري؟
والصحيح أن هناك جواباً علميّاً تاريخيّاً دقيقاً موثّقاً أعرضه في نقاط:
أولاً:
البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وأبو داود وغيرهم من المحدّثين لم يكتبوا الأحاديث النبوية من تلقاء أنفسهم، وإنما نقلوها بالسند المتصل الصحيح الثابت إليه صلى الله عليه وسلم وهو رواية ثقة عن ثقة إلى آخر السند، فمثلاً أول حديث في صحيح البخاري يقول البخاري: حدّثنا الحميدي عبدالله بن الزبير حدثنا سفيان حدثنا يحيى بن سعيد الأنصاري قال: أخبرني محمد بن إبراهيم التيمي أنه سمع علقمة بن وقّاص الليثي يقول: سمعتُ عمر بن الخطاب على المنبر يقول: سمعتُ النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "إنما الأعمال بالنيّات ..." الحديث، فالحميدي شيخ البخاري معروف، مشهور، ثقة، ثبت، إمام، حجة، وحياته معروفة مدوّنة، وسفيان هو ابن عيينة شيخ الحجاز، وإمام المُحدّثين بعصره، يعرفه القاصي والداني، وشيخه يحيى بن سعيد الأنصاري، إمام، حجة، ثبت، ثقة، سيرته مدوّنة مضبوطة، وشيخه محمد بن إبراهيم التيمي، إمام، حافظ، ضابط، مشهور، وشيخه علقمة بن وقاص الليثي، تابعي جليل، عالم فاضل، ناسك، ثقة، حجة، إلى أمير المؤمنين أبي حفص عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أحد الخلفاء الراشدين الأربعة وأحد العشرة المبشّرين بالجنة، فأين الخلل في هذا السند، وأين الاضطراب وكل أحاديث البخاري على هذه الطريقة وهذا السّمو والثّقة والثّبوت؟
ثانياً:
ما الذي حمل الدولة العباسية وخلفاؤها أكثر من ثلاثين خليفة على أن تسكت على هذا المنكر العظيم وقد حصل في عهدها؛ لأنه عهد تأليف الحديث النبوي وجمع السُّنة وقد حكمت هذه الدولة من الهند شرقاً إلى مشارف الأندلس غرباً، لماذا يسكت خلفاؤها، وأمراؤها، ووزراؤها، وقادتها، وعلماؤها، ومحدّثوها، وفقهاؤها، وزهّادها، وعبّادها، لماذا الصمت منهم جميعاً وهم مئات الملايين وهم يشاهدون شخصاً اسمه البخاري ومعه مسلم والترمذي وغيرهم يجمعون حديث النبي صلى الله عليه وسلم في كتبهم، وينشرونه قراءة، ورواية، ومدارسة في عواصم الإسلام، في الحجاز، والعراق، والشام، ومصر، والمغرب العربي، والهند، والسند، ويتذاكرونه على المنابر وفي المساجد والمحافل والمجامع العامة، ثم تصمت هذه الأمة كلها لأكثر من ألف عام ولا تنتبه لهذا الجرم الكبير والغلط الخطير حتى يأتي نزار الحيدري بعد عشرة قرون فيكتشف هذا الزلل ويعلن للعالم هذا الخطأ التاريخي التشريعي الذي يهدم به السُّنة النبويّة كلها ويلغي به كل أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم؟
ثالثاً:
الرسول صلى الله عليه وسلم لمّا تكلّم بأحاديثه نقلها صحابته رضوان الله عليهم وحفظوها وهم عدول ثقات أثبات، وبلّغوها لتلاميذهم من التابعين أمثال سعيد بن المسيب، وسعيد بن جبير، والحسن البصري، وعطاء بن أبي رباح وغيرهم، وهؤلاء بلّغوها أتباع التابعين من أمثال الزهري، وقتادة، وسفيان الثوري، وسفيان بن عيينة، وغيرهم، وهكذا حتى وصلت الرواية للبخاري ومسلم وبقية أصحاب كتب الحديث.
رابعاً:
إن البخاري ومسلم لم ينقلا عن كل رجل بل شرطهم الأمانة والثّقة والضبط والحفظ وقد ترك البخاري ومسلم آلاف الرواة من الكذّابين والوضّاعين والمتساهلين حتى من الصالحين ممن ساء حفظه أو عنده وهم أو تساهل ولهم موازين في النقد والجرح والتعديل مضبوطة مدروسة محفوظة.
خامساً:
البخاري لم يهبط على الناس فجأة من السماء ولم يأتِ من ديار العجم وحيداً شريداً طريداً، بل عاش بين العلماء وطلب علم الحديث أكثر من ثلاثين سنة ومشايخه وأصحابه وتلاميذه معروفون زكّوه جميعاً، وأثنوا عليه، ووثّقوه، وعاش في بغداد والبصرة والكوفة، وزار الحجاز والشام وامتحنه العلماء فأذعنوا لحفظه وضبطه، وشهدوا بصدقه وأمانته.
سادساً:
أقول للكاتب نزار: أن حُقْبة (183) عاماً لم تسقط من تاريخ الأمة، بل هي محفوظة وأنا في القرن الرابع عشر أعرف علماءها ومحدّثيها وفقهاءها ورواتها فكيف بغيري ممن هو أعلم مني وأقدم؟
سابعاً:
لا يلزم أن تكون هناك مخطوطات حتى ينقل منها البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وغيرهم فالحفّاظ موجودون بآلاف والأمّة أميّة كانت تعتمد على الرواية المضبوطة والحفظ المحقّق وإنما حصل التأليف في عهد التابعين على وجه الندرة والحديث الواحد يحفظه عشرات، بل مئات من الصحابة والتابعين وتابعيهم من الحفّاظ الأمناء الثّقات.
ثامناً:
أقول للكاتب نزار الحيدري وثّق لنا شعر امرئ القيس، وزهير بن أبي سلمى، والأعشى، والنابغة، وطرفة بن العبد، وعنترة، ولبيد بن ربيعة من شعراء الجاهلية قبل مبعثه صلى الله عليه وسلم وأخرج لنا مخطوطات على شرطك بقصائدهم وخطبهم وأخبارهم؛ ليكون الحكم واحداً.
تاسعاً:
مقال د. نزار الحيدري يلغي كل العلوم والفنون؛ لأن أكثرها نُقل لنا بالرواية وليس عن طريق المخطوطات فأين مخطوطة سقراط، وأفلاطون، وأرسطو، وغيرهم من الفلاسفة، ومخطوطة ابقراط، وجالينوس، وغيرهما من الأطباء وأصحاب بقية العلوم والفنون؟
عاشراً:
الحقبة الزمنيّة التي ذكرها الكاتب نزار وهي (183) عاماً فيها كتب موجودة تذكر خلفاءها وعلمائها وشعرائها ومحدّثيها وكل ما حدث فيها، بل وتذكر الثّقات الصادقين من الرواة والكذّابين والضعفاء والمدلّسين وكل صنف فيهم كتب مؤلفة فأين الوهم والتفريط من المسلمين؟
الحادي عشر:
أستطيع أن أجزم أنه من بعد البخاري ومسلم وبقية أهل السُّنن والصحاح والمسانيد نشأ في الأمّة خلال ألف عام أكثر من مليون مُحدّث عالم حافظ إمام ثقة ثبت حجة في عواصم ومدن الإسلام من جاكرتا شرقاً إلى طنجة غرباً، فهل كلهم خفيت عليهم الحقيقة، وعَميت بصائرهم، ولُبِّس عليهم الشيطان حتى ضحك عليهم شخص أعجمي غريب اسمه: محمد بن إسماعيل البخاري بكتابه فحفظوه ودرّسوه وشرحوه وتناقلوه واختصروه وتعلّقوا به، بل هاموا فيه، بل عشقوه إلى حدّ الثمالة في مكة، والمدينة، والقاهرة، ودمشق، وبغداد، وصنعاء، وتونس، والرباط، والجزائر، وطرابلس، والخرطوم، وقرطبة، وغيرها من مدن العالم خلال أكثر من ألف عام؟!، فهل هذه الأمة المحمّدية المرحومة المعصومة يبتليها الله بالغباء والذهول والنسيان ويسقط عليها ميراث (183) عاماً من تاريخها العلمي والديني والتشريعي حتى يأتي كاتب لم يدرس كما درس أي عالم منهم علم الحديث النبوي ويقول: كل الأمة غلطت وأخطأت ووقعت في جهل خطير ووهم كبير؟ معاذ الله لا يكون هذا لا يكون هذا أبداً.
الثاني عشر:
خلفاء الدولة العباسيّة الذين عاش في عصرهم البخاري، ومسلم، وأبو داود، والنسائي، وغيرهم، هؤلاء الخلفاء من بيت النبوّة وكانوا يدافعون ويجاهدون أعداء الملّة فهل يصمتون لأناس من الأعاجم يكذبون على رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجوامع والمجامع وعلى المنابر؟! وبعض هؤلاء الخلفاء مثل المهدي قتل بعض الزنادقة على كلمة واحدة كفريّة نقلت عنه، بل إن أحد وزرائهم وهو القاسم بن عبيدالله فُهم منه تلميحاً وتلويحاً أنه يغض من مقام النبي الكريم صلى الله عليه وسلم وكان هذا الوزير متهماً بسوء المعتقد وقد دخل عليه غلام يتيم فقال الوزير لليتيم: اجتهد عسى أن يكون لك شأن فإن محمداً كان يتيماً وانظر كيف صار، فأهدر العلماء دم هذا الوزير وأُعدم ملوماً، مدحوراً، ملعوناً، مقتولاً، مخذولاً.
الثالث عشر:
إن البخاري، ومسلم، والنسائي، والترمذي، وأبا داود، وابن ماجه، وغيرهم من أصحاب دواوين السُّنة قد زكّاهم وأثنى عليهم علماء الإسلام دون رغبة أو رهبة أو سبب من نسب أو عصبية أو قوميّة بل لوجه الله، ثم للحقيقة والتاريخ عبر ألف عام في كل بقاع الأرض فقد زكّاهم علماء المذاهب من الأحناف، والمالكيّة، والشافعيّة، والحنابلة، والظاهرية من العرب، والعجم، والأمازيغ، والأكراد، والأتراك، والتركمان، والأفارقة، في كل كتاب وخطاب، وعلى المنائر والمنابر والدفاتر، فهل أجمعت هذه الأمم على ضلالة، أو أخذت على جهالة، حتى أتى الكاتب نزار الحيدري يصيح في العالم:
"أنقذوا الأمة والتاريخ والسنُّة فقد سقط منها ميراث (183) عاماً."
الرابع عشر:
إن شيوخ البخاري وشيوخ شيوخه حتى الصحابة معروفة مواليدهم ووفياتهم ومرويّاتهم ومضبوطة ومحفوظة وماذا قيل عنهم جرحاً وتعديلاً، وكل رجل من رجال البخاري يعرف كل متأخر حياة هذا الرجل وصدقه وأمانته فكيف بأئمة الإسلام؟ والإمام البخاري لم يرو عن مجهولين أو نكرات أو فلاحين لقيهم في مزارعهم أو رعاة إبل وبقر وغنم ذهب لهم في حظائر مواشيهم ولهم احترامهم ولكنّه روى عن أئمة أعلام وعلماء كبار أمضوا حياتهم في العلم والدراية والرواية وكل واحد منهم قصة من الهمّة والحفظ والطموح والصدق والأمانة والزّهد والعبادة فأين الخلل؟
الخامس عشر:
وأنا أضرب مثلاً لرواة الحقبة الساقطة المفقودة على زعم الكاتب نزار الحيدري بقول البخاري في صحيحه والبخاري مات عام (256هـ) قال حدّثنا عبدالله بن يوسف التنيّسي شيخه وهو إمام حجة ثبت توفي عام (218هـ) قال: حدثنا مالك بن أنس وهو إمام دار الهجرة الإمام الكبير صاحب المذهب المالكي توفي عام (179هـ) قال: حدثنا نافع وهو مولى ابن عمر إمام حجة ثبت توفي عام (117هـ) قال حدّثنا عبدالله بن عمر وهو الصحابي الجليل عظيم القدر من السابقين الأولين رضي الله عنه وعن أبيه توفي عام (73هـ) عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأين سقوط (183) عاماً؟ وغالب رواة البخاري ومسلم في هذه الحقبة نعرف سيرتهم وأخبارهم وحياتهم وما قيل عنهم؟
السادس عشر:
أخي نزار: اطمئن لم يسقط على الأمّة ولو سنة واحدة من تاريخها التشريعي بل حُفِظَ كل ذلك وضُبِط رحمةً من الله بهذه الأمّة المحمّدية المعصومة في مجموعها المرحومة بمبعث نبيّها صلى الله عليه وسلم كما قال البوصيري :
بشرى لنا معشر الإسلام إن لنا
من العناية ركناً غيرَ منهدمِ
لما دعا الله داعينا لنصرته
بأكرم الرُّسْلِ كنّا أكرم الأممِ
السابع عشر:
سوف يصدر لي قريباً بإذن الله تعالى كتاب:
"الانتصار لسُنة النبي المختار
"


Comentarios