|
تأملات في بعض الجوانب التنظيمية للقانون رقم 38.15
المتعلق بالتنظيم القضائي
|
إن هذه
القراءة الاولية للقانون رقم 38.15 المتعلق بالتنظيم القضائي، الذي وافقت عليه
لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان بمجلس المستشارين بتاريخ 23/07/2018، ستنصب حول
نقطة فريدة تتعلق بالإشراف والعملية الإشرافية حدودها ونطاقها ومجالها، من خلال
الهياكل والجوانب التنظيمية التي جاء بها القانون رقم 38.15، بمعنى هل يساعد الهيكل التنظيمي الوارد في
التنظيم القضائي القائمين على الإشراف والعملية الإشرافية على رفع كفاءاتهم
وفاعليتهم في القيام بواجباتهم القضائية؟ وهل الهيكل التنظيمي يساهم في تحسين
الأدوار الإشرافية للمسؤولين القضائيين؟ وما هي أدوار المشرفين، أي المسؤولين
القضائيين، وفق الطرح الذي جاء به القانون رقم 38.15؟ وهل جهات الإشراف لها من
الطاقة والقدرة ما يكفي لإنجاز المهام أو العمليات الإشرافية في الجوانب التدبيرية
والإدارية والمالية إلى جانب المهام والإشراف القضائي الصرف؟
ونؤكد بداية كمرصد وطني لهيئة كتابة الضبط، أن التغييرات المحدثة في
القانون رقم 38.15 لم تحقق آمال وأحلام وطموحات وإنتظارات موظفات وموظفي هيئة
كتابة الضبط من إقرار إستقلالية الجهاز، ومن خلاله مؤسسة الكاتب العام كسلطة
مستقلة تعنى بالشأن الإداري والمالي والإجرائي، وخاضعة للسلطة الحكومية المكلفة
بالعدل، وتباشر مهامها وأدوارها دون وصاية أو حجر من أحد، ووفقا لنص تنظيمي يحدد
إختصاصاتها ومهامها. لأن الجهاز القضائي بحاجة ماسة للتفرغ للعمل القضائي
والإجتهاد القضائي، وإحقاق الحقوق، وتحقيق
العدالة والإنصاف، بعيدا عن هوس السلطة ونزواتها، وتكريسا للمبادئ الدستورية التي
تقضي بالتعاون والتنسيق بين السلط، عوض تغول سلطة في إختصاصات هي من صميم إختصاصات
سلطة أخرى تحت مسوغ إستقلال السلطة القضائية، وللإشارة فقد عالج المرصد الوطني لهيئة
كتابة الضبط موضوع جدال الإشراف وحدود نطاقه في عمل المحاكم بين السلطة الحكومية
المكلفة بالعدل والسلطة القضائية في مقالة بجريدة العلم تحت عنوان "الخشية من تغول السلطة القضائية على أعمال السلطة الحكومية المكلفة بالعدل" تحت عدد 23973 بتاريخ 25/12/2017 الصفحة 10، كما أن المرصد الوطني قد سبق وأن
أدلى بمقترحات تعديلية لمشروع التنظيم القضائي في صيغة 30 يونيو 2016 لوزارة العدل
عبر توجيه ثلاث نسخ وجهت لكل من ديوان السيد الوزير ومديرية التشريع ومديرية
الموارد البشرية بتاريخ 28/08/2017.
إن عمل
المحاكم يتطلب تنظيما إداريا محكما تحدد فيه الادوار والصلاحيات التنظيمية، بصورة
تمكنها من تنفيذ أعمالها وتحقيق أهدافها، حيث أن كل هيكل تنظيمي أو مستوى تنظيمي
يقوم بمهام تنظيمية لا تقل أهمية عن مهام الأدوار التنظيمية الأخرى، وفعالية
وكفاءة الإشراف مرتبطة بمجاله ونطاقه وحدوده، والتوسع في الإشراف من عدمه مرتبط
بالتوسع الأفقي والرأسي للمحكمة والهيكل التنظيمي بها.
وبالرجوع إلى القانون رقم 38.15 نجد الهياكل التنظيمية
المحدثة هي :
v لجنة الصعوبات وسير العمل؛
v لجنة التنسيق؛
v مكتب المحكمة؛
v الجمعية العامة للمحكمة.
هذا، ويشكل
الإشراف جوهر ولب تلك الادوار التنظيمية، باعتباره يلعب دورا محوريا وجوهريا في إنفاد
الاعمال وتحقيق الاهداف، الأمر الذي يقتضي منا الوقوف بعناية على تحديد اللفظ
ومفهومه.
إن الإشراف في اللغة من أشرفت الشيء : علوته، وأشرفت
عليه :اطلعت عليه من فوق، والإشراف : الحرص والشفقة. وإصطلاحا : الإشراف هو دور
تنظيمي تقع عليه مسؤولية قيادة وتوجيه وإرشاد المرؤوسين لتحقيق أهداف المرفق،
وبالتالي فعمل المشرف يرتكز على الدور التنظيمي، ومهارات القيادة والقدوة والتأثير
والتوجيه والإرشاد، وتدريب المرؤوسين وقدرات التنفيذ، إي إسناد المهام ومتابعة تنفيذها.
واستنادا إلى المادة 19 من التنظيم القضائي المصادق عليه، فإن الإشراف على مهام
موظفي هيئة كتابة الضبط يقتضي:
§ المعرفة الفنية بالعمل الإجرائي
الذي يؤذيه موظفي هيئة كتابة الضبط، بحيث يمثل المرجع الفني لتساؤلات واستفسارات
الموظفين، وحل بعض المشكلات الفنية المرتبطة بالمهام؛
§ الخبرة العلمية في المهام، بحيث
تمكنه من التعامل مع متطلبات وإشكالات العمل اليومي بصورة تصطحب معها الجانب العملي
في التعامل مع واقع العمل الإجرائي والتدبيري بالمحاكم؛
§ التواصل والاتصال الفعال مع
الموظفين، لحل المشكلات واتخاذ القرارات؛
§ تحديد الإطار الزمني لإنجاز
المهام؛
§ تحديد الكيفية التي يتوجب بها
إنجاز المهام؛
§ رفع اهتمامات ومقترحات ومشكلات
الموظفين إلى الجهات المعنية؛
§ كتابة تقارير العمل وتقويم أداء
الموظفين ورفعها إلى الجهات المعنية.
هذا، وتتأسس
العملية الإشرافية على عنصر التوجيه والرقابة أو المتابعة، وأن الوظيفة الرقابية
للإشراف يجب أن تنشئ معايير الأداء التي سوف تستخدم لقياس نجاعة أداء المحاكم،
وهذه المقاييس تصمم لتحديد ما إذا كان مختلف العاملين بالمحكمة على المسار الصحيح
وفي طريقهم نحو الأهداف المخطط لها، واستنادا إلى المادة 21 من التنظيم القضائي
فإن هذه المؤشرات أو المقاييس ستحدد من طرف السلطة الحكومية المكلفة بالعدل بتنسيق
وثيق بين المجلس الأعلى للسلطة القضائية والمسؤولين القضائيين والإداريين
بالمحاكم، الأمر الذي يجعل الإشراف يتداخل في مجال المتابعة، بمعنى تقديم النتائج
المستخلصة لجهات الإختصاص، لكن الأمر يتلاشى إذا علمنا أن الكاتب العام بنفسه
يمارس مهامه تحت إشراف المسؤولين القضائيين.
وفي الوقت
الذي كنا ننتظر كمرصد وطني لهيئة كتابة الضبط من التنظيم القضائي، أن يعمل على خلق
بيئة فعالة لأفراد يعملون في مجموعات ضمن تنظيم رسمي، بغية تنسيق مختلف النشاطات
القضائية والإدارية والمالية والإجرائية، تفضي إلى تكامل الجهود المختلفة من أجل
الوصول إلى أهداف مشتركة وهي قضاء فعال ومنصف، وإدارة قضائية ناجعة وفعالة. إلا أن
القانون رقم 38.15 قد حدى من خلال هياكله التنظيمية المتعددة إلى غاية واحدة من
طرف واضعيه هو الهيمنة على الأخرين، وقد كان حري بواضعيه من خلال هياكله
التنظيمية، العمل على خلق نوع من التوازن الوظيفي، بين ما هو قضائي وإجرائي وما هو
إداري ومالي تخفيفا من العبء الروتيني الملقاة على المسؤولين القضائيين في معالجة
الأعباء الوظيفية، بغية توفير وقت كافي يتم توظيفه في معالجة الاعباء القضائية
الملحة.
فمثلا مكتب
المحكمة يجسد "وحدة
تنظيمية عليا" تتكلف بوضع برنامج
العمل للمحكمة، كان يجب أن يؤسس لثقافة ديمقراطية الممارسة الإدارية ومبدأ
الشفافية الإدارية، من خلال مشاركة كل مكونات الشأن الإداري والمالي، عوض التنصيص
على عضوية الكاتب العام في مكتب المحكمة التي تتلاشى مع وظيفته في المكتب من خلال
السهر على إنجاز التقارير وتدوين المداخلات والمناقشات، إضافة إلى الإقصاء المقصود
لكوادر العملية القضائية في الشق الإجرائي والإداري والمالي، ونقصد هنا رؤساء
المصالح بإعتبارهم المتمرسين والعارفين بخبايا العملية القضائية، وإرتباطهم
المباشر بعمليات تنفيذ العمل اليومي للمحاكم، لأنهم يمثلون في الواقع المهني،
المستوى التظيمي الذي يملك المعلومات الحقيقية عن طبيعة الإشكالات التي تقابل
العمل اليومي للمحاكم، وأكثرهم قدرة على تحديد الاحتياجات الادارية والبشرية اللازمة
لعمل المحاكم، والساهرين على تجويد عمل موظفي كتابة الضبط على مستوى تنفيذ الأعمال
والنشاطات والمهام، إنهم فعلا جهاز إداري قائم الذات والكينونة في الواقع العملي
والمهني للمحاكم، لا ينكره إلا جاحد أو جاهل بخبايا العملية القضائية. الأمر الذي
كان حريا لواضعي الهياكل التنظيمية التنصيص على إشراك هذه الفئة ذات الأدوار
الطلائعية تنظيميا في مكتب المحكمة، للوقوف في برامج عمل المحكمة على مجالات الاختلاف
والتعارض في العملية القضائية بين ما هو قضائي صرف وبين ما هو شبه قضائي وإجرائي،
ولتحديد الأخطاء والإنحرافات والكشف عنها، والبحث عن أسباب وجودها ونشوئها، لاتخاذ
الإجراءات والقرارات الصائبة في برامج عمل المحاكم. لأن رؤساء المصالح يعتبرون بحق
مدخلا للإستشارات الإجرائية التي تهدف إلى تحسين فاعلية عمل الجماعة، الإنتاجي
والسلوكي، من خلال تركيزهم على أساليب العمل وإجراءات العمل.
إن عدم مشاركة
الكاتب العام ورؤساء المصالح في صياغة الرؤيا والاهداف وتوزيع المهام وتحديد
الادوار في برامج عمل المحكمة، يفضي إلى خلق شعور لدى عموم موظفي هيئة كتابة الضبط
أن الأمر يتعلق بالانفراد والهيمنة في اتخاذ القرار، وعدم الرغبة في إشراكهم في
صياغة برنامج عمل المحكمة، لان الغاية من الهياكل التنظيمية هو المساعدة على سد
فجوة الأداء بين ما هو قضائي وإجرائي، وضمان استمرارية أداء العمليات الإدارية.
وإلا ستتحول هذه الهياكل التنظيمية (مكتب
المحكمة، لجنة التنسيق، لجنة الصعوبات وسير العمل، الجمعية العامة للمحكمة) إلى فضاء أو
مرتع غير مناسب للتجديد والتطوير والإبداع والإبتكار في إدارة الإدارة القضائية،
وإنما ستعمل على خلق ثقافة تبعية، ومن حضنها ستولد الشخصية التابعة، أو الأشخاص
التبع.
وهذا النوع من
الأنماط التنظيمية يعتبر مشتلا لقهر جهاز بأكمله والإعتداء عليه، بل العمل على محو
كينونته وسط المحيط السلبي المليء بالإحباطات، لأن الإشراف على تلك الهياكل
التنظيمية، هو تلك العمليات الإشرافية التي يمكن من خلالها للمسؤول القضائي أن
يؤثر في تفكير الآخرين ويضبط مشاعرهم ويوجه سلوكهم، والحال أن النظرة الدونية أو
التحقيرية هي السائدة في المجال الواقعي والعمل اليومي للمحاكم. الأمر الذي يفضي
إلى طرح مجموعة من التساؤلات من قبيل هل يقتضي التنسيق بين الاجهزة أن تغلب
سلطة على أخرى بحجة أنها هي التي تأمر أو تشرف؟ ولماذا تظل التبعية جاثمة على جهاز
هيئة كتابة الضبط؟ وهل الإدارة القضائية تعتبر خطا أحمر لا يمكن للسلطة القضائية أن
ترفع يدها عليها جزئيا أو نهائيا؟ وهل إصرار صناع القرار على إبقاء جهاز كتابة
الضبط تحت الحجر والوصاية، يرجع لعدم جدارته
وكفاءته، أم فقط مجرد نزوات التسلط وعدم الترفع والتجرد والابتعاد عن الهوى
ونزوات السلطة التي هي الشيطان الكامن في السلطة؟ وهل الإدارة القضائية تعتبر مطية
للحد من استقلال السلطة القضائية؟ وهل الهياكل التنظيمية الواردة بالتنظيم القضائي
تشكل فعلا مدخلا لحوار أوسع ومعمق بين مختلف مكونات العمليات القضائية يفضي إلى
خلق مناخات إدارية تفاعلية؟
إن نجاح عمل
المحاكم، ليس مرهون فقط بأداء مهامها وأعمالها بطريقة صحيحة، وإنما يجب أن يكون
مجال إبداعها أبعد، فترمي ببصرها إلى الأبعد وبآمالها إلى الأسمى، حتى تكون إدارة
قضائية فاعلة وناجعة هيكليا وتنظيميا وأداء وأهدافا، وبتعبير آخر إدارة قضائية
خدومة ومبدعة. ولن يتأتى ذلك إلا من خلال هياكل تنظيمية منسجمة ومتصلة تعمل على
تطوير أساليب العمل وتعميق الرؤيا والأهداف وتجميع وإعادة تركيب الأنماط الإدارية
السائدة في عمل المحاكم في أشكال متميزة ومتفردة، تقفز بمختلف العاملين في الشأن
القضائي إلى الأمام.
والاكيد من خلال القراءة الاولية لموضوع الإشراف
والعملية الإشرافية في التنظيم القضائي من خلال الجوانب التنظيمية والهيكلية، هو أن
مؤسسة الكاتب العام ومساعديه رؤساء المصالح، ستتحول لا محالة إلى سكرتارية عامة
للمسؤولين القضائيين المشرفين على العملية القضائية، من خلال إعداد القاعات
ولوازمها للإجتماعات الدورية بمعنى السنوية (مكتب
المحكمة – الجمعية العامة للمحكمة) وغير الدورية
وهي التي تعقد كلما دعت الحاجة إلى ذلك (لجنة
الصعوبات وسير العمل – لجنة
التنسيق) وما يقتضيه العمل على إدارتها – أي الإجتماعات – بطريقة
فعالة قبل الإنعقاد وبعد الإنعقاد، أما اثناء الإنعقاد فهو من صميم المشرفين، أي
المسؤولين القضائيين المكلفين بالإشراف، وما يستتبع ذلك – أي الإجتماعات – من
إعداد للمحاضر وجداول الأعمال والتقارير وبرامج العمل اليومي للمحاكم والبرامج
الميزانياتية ... وكل شيء مرتبط بالعملية الإشرافية للمحاكم.
إن الإدارة
القضائية تبنيها القوانين السليمة التي تحتضن ضمنها مؤسسة فعلية – هيئة كتابة
الضبط – لها أدوارها وأهدافها ضمن العملية القضائية من بدايتها إلى نهايتها،
وليست الشعارات والأقوال لصناع القرار بأن كتابة الضبط هي العمود الفقري للمحاكم
في الملتقيات واللقاءات والحوارات، والأدهى والأمر بكل أسف وآسى هو تهليل وتطبيل
... بعض منتسبي جهاز كتابة الضبط لتعديلات شكلية فارغة، وتثمين ذلك في تدويناتهم
وفي بلاغاتهم وبياناتهم وإنشغالهم بالبلاغ والبلاغ المضاد في الوقت الذي تحاك فيه
كل الدسائس لتمرير قوانين تشكل المبراس الأخير المتبقي لهيئة كتابة الضبط بما يضمن
تحديد وتوصيف للمهام والأدوار، وليس قانونا فارغا وشكلي يكتفي بالأرقام والنقط
الإستدلالية، وكذا مشاريع القوانين الإجرائية ونقصد هنا مشروع قانون المسطرة
المدنية ومشروع قانون المسطرة الجنائية.
إنها مرحلة مفصلية وتاريخية سترهن كتابة الضبط لعقود
وسنوات تقتضي منا تكاتف الجهود وتوحيد الرؤى وتجميعها والدفاع عنها على قلب رجل
واحد.

Comentarios
Publicar un comentario