CON ACENTO MARROQUI يقدم كتاب حفريات من زمن اليأس للمختار الغربي



للذين لم يتمكنوا من الاطلاع على الكتاب، ننشر تباعا المقالات التي يتضمنها كما صدرت في حينه وحسب تواريخ نشرها
الجزء 21
خريطة الفقر المطلق ....
حسب التصنيف الدولي للمغرب في ميدان التنمية، يدرج البرنامج الأممي لتنمية بلدنا في المرتبة 125، وبغض النظر عن التسميات الاقتصادية والاجتماعية والأكاديمية، فإن هذه الرتبة عمليا وميدانيا فيما يخص المغرب تدرج في خانة الفقر باعتباره من الدول ذات الدخل الضعيف، لأن الأمر يتعلق بنسبة مائوية تصل إلى 90 أي أن 10 بالمائة فقط من سكان المغرب يمكن تصنيفهم في سلم الوضعية السليمة من الناحية الاقتصادية والتنموية، وقد ثبت الآن من الخريطة الجهوية والوطنية للفقر، حسب المندوبية السامية للتخطيط، بأن خمس سكان المغرب (20٪) معدمون، فقراء متسولون، وبتعبير آخر هم في حكم الفقر المطلق. هذا المفهوم بالطبع يتعلق فقط بالحاجات الغذائية ومحاربة الجوع، ولا يرتبط بما هو في حكم «الضرورة المطلقة» كالسكن والخدمات الصحية والشغل واللباس والتمدرس والتطبيب وغيره، مما تقفز معه النسبة بالتأكيد المطلق إلى التسعين بالمائة التي أشرنا إليها، وهذا ما أشرنا إليه من قبل في إحدى مقالاتنا بأن المغرب دولة متخلفة حتى النخاع وفقيرة حد الفقر المدقع.
فكل الظواهر المعاشة تشي بأن «الرسمي» في السياسة الاقتصادية وخلال سنوات الاستقلال الخمسون كانت مبنية على «الإقصاء الكلي» لكل تخطيط وعقلانية، وبالتالي فإن الجوانب الاجتماعية لم تكن أساسية في معالجة الآني والمستقبلي للشأن العام، وهذا ما يعبر عنه بالفوارق الطبقية التي لم تعد محتملة في عالم مفتوح يفرض وجود مستويات معقولة من العدل والعدالة.
لقد وقعت الإشارة في استنتاجات المندوبية السامية للتخطيط إلى أن هناك نوعا من الفقر سمته الفقر النسبي، والحقيقة وبالنظر لقراءة متعمقة في الأرقام، ليس هناك إلا فقرا واحدا يحشر الأغلبية من المغاربة في خانة «الظلم المطلق» وهو ظلم متعدد الجوانب، خصوصا وبالإعتماد على نفس الأرقام فإن نصف المغاربة مهددون «بالفقر والظلم المطلقين».

... وخريطة الثراء الفاحش
يعلم المغاربة جميعهم مظاهر سفيهة من الغنى المبني على الرشوة والإختلاس واستغلال النفوذ وبيع الذمم والمبادئ وانعدام الضمير، هذا الغنى الفاحش الناشب أنيابه وأظافره وقرونه في كل مجال، الواضح والمفضوح على الوجوه وحياة الأغلبية من المغاربة. إلا أنه هناك غنى آخر مجهول ومعلوم في آن لا يشعر به، ولا ينتبه إليه إلا القليلون، وهو غنى الدولة ومؤسساتها المالية والاقتصادية، والدليل الذي يعرفه الجميع، ما عشناه خلال عشر سنوات الماضية من الفضائح المالية والأموال الطائلة التي استولى عليها أباطرة متوجون بنفوذهم وسلطاتهم وحصانتهم. إذن هناك مؤسسات وهناك أشخاص يتحكمون فيها بموجب ذلك التتويج، ولن نذهب بعيدا : فخلال الشهرين الماضيين أدى المغاربة لاتصالات المغرب ملايين االدراهم في عملية نصب واحتيال واضحة ومفضوحة، حيث فرضت هذه المؤسسة زيادة مبلغها 12 درهما من فاتورة الهاتف الثابت، ومعها درهمان إضافيان في رسوم الاستخلاص. بإيجاز : بعد أن كان المبلغ الجزافي الأدنى 99 درهما، أصبح 111 درهم، وبعد أن كانت الرسوم نصف درهم أصبحت درهمان ونصف، أي أن مجموع ما اختلس من جيب المواطن 14 درهم في الشهر. واحسبوها : عدد المشتركين في الهاتف الثابت يعد بالملايين التي لا يعرفها إلا أصحاب إمبراطورية اتصالات المغرب، وبعملية بسيطة، إضربوا هذه الملايين في الأربعة عشر درهما، و«تفرجوا» على هذه «الزردة» من الأصفار المعدودة بالدراهم.
ألم يقولوا تفسير الواضحات من المفضحات؟!
طنجة 2004/9/11


Comentarios