CON ACENTO MARROQUI يقدم كتاب حفريات من زمن اليأس للمختار الغربي الجزء 20




للذين لم يتمكنوا من الاطلاع على الكتاب، ننشر تباعا المقالات التي يتضمنها كما صدرت في حينه وحسب تواريخ نشرها

الأحزاب والنقابات وكالات سمسرة
أوردت إحدى الأسبوعيات المغربية «خبرا» عن اتفاق بعض الأحزاب المشاركة في الحكومة على تقديم مشروع للبرلمان يرغبون من خلاله الحصول على مصوغ قانوني لترشيح الأشخاص في عضوية البرلمان بما يشبه التعيين، وحسب نفس «الخبر التحفة»، فإن بعض النافذين في أحد الأحزاب المسماة «وطنية» يرى أن يعين الملك «أنسب الناس» لدخول البرلمان عبر حظوتهم لديه، إشارة إلى ما هو معمول به في الأردن، حيث من حق الملك اختيار عدد من الأشخاص ليكونوا أعضاء في البرلمان.
 كتقييم سريع لهذا الاقتراح، يمكن نعته بالسخافة، إلا أنه وبمنطق الأمور والأحوال في المغرب، فقد علمتنا «التجربة المغربية» أن كل الوقائع والأحداث والتصرفات مما يدخل في نطاق الرسميات وما أفرزته من تداعيات مدمرة، بدأت وتبدأ بهذا الأسلوب الأرعن في تدبير الشأن العام الوطني المغربي وبالتحديد فيما يتعلق بالتعيينات والقرارات المصيرية، وقد نفاجأ في مستقبل الأيام والأعوام بتطبيق مثل هذا الاقتراح، مع التأكيد على أن كل ما يروج في الساحة الوطنية يسهل الإقدام عليه، بحكم الألاعيب السياسية التي يمارسها المشتغلون في هذا الحقل الموبوء.
طبعاً من حيث المبدأ وأصول اللعبة ستكون العملية شاذة وضد كل تفكير سليم، ولكن بالضبط هذا الشذوذ هو صفة مغربية بامتياز وهو كل ما يميزنا عن كل بلدان العالم المتحضر ولن تفلح معنا ومع نخبتنا كل التغييرات التي تقع فيها مهما مرت وطالت السنين، فهذا أمر يخص «تقاليدنا وأعرافنا» «وخصوصياتنا المغربية». وإذا صح ما أوردته تلك الصحيفة فلن يخرج الأمر عن «المألوف المغربي» الذي تساهم الأحزاب في ترسيخه وجعله القاعدة والأساس في التعامل مع القضايا الوطنية الكبرى والخطيرة التي لا يشعرون بها ويتحاشون مواجهتها، فكل المؤشرات تدل على أن تلك القضايا هي آخر ما يشغل بال الأحزاب و «أقطاب السياسة»، وبعد أن كانت وكانوا يجدون ويجتهدون للحصول على الإمتيازات والمنصب و«الرضى»، وبعد أن باعوا أسهمهم في سوق «النخاسة السياسية» أصبح من حقهم المطالبة بالمقابل تلو الآخر، وهذه المرة بالتعيين في مؤسسات كان يتم الوصول إليها بوسائل متعبة أو سهلة - لا فرق، وإذا كان هذا الأمر هو ما يتم بالفعل كآلية لشراء الذمم، فلماذا لا يتم على صعيد مؤسسة «ممثلي الأمة»، ولن يكون هناك من فرق إلا في كونهم سيرتاحون ويتحررون ويتخلصون من تلك السلسلة المزعجة من الإجراءات والخطوات المتمثلة في الترشيح والقيام بالحملة الإنتخابية وعقد التجمعات وتوزيع المناشير وما يتبع كل ذلك من تبذير للجهد والمال.
إن الحديث عن هذه الكائنات التي ننعتها بالأحزاب والزعماء والنخبة ينسحب بالضرورة على كائنات أخرى تتحمل أوزارا أخرى من الشطط في الفعل والتفكير، والتي نسميها تجاوزا نقابات. هذه قلما تتم الإشارة إليها كجزء من تردي الأحوال في المشهد السياسي المغربي.
إن المتتبع لمسارها ومواقفها سيصاب بالدهشة وخيبة أمل من المواقف المتذبذبة والشطحات االمتعجرفة التي تتمسك بأهدابها وتسير على هديها، ولا يشفع لها معها حركاتها المسرحية التي تمثل على من يمثلونهم، وقد أثبتت التجربة أنه في الأوقات العصيبة تقنع بما تنتزعه من مصالح وامتيازات.
إن الممارسة السياسية على صعيد الأحزاب والنقابات تكتنفها الكثير من الشوائب التي تخدم طبقة صغيرة من المحتالين والنصابين الذين يتاجرون بمعاناة الأغلبية من الشعب المغربي الذي يتعرض يوميا للظلم وهضم الحقوق، بمباركة تلك الأحزاب والنقابات وبتواطؤ منها، بهذا فإنها تقوم بدورها معكوسا، وبدون شك فإن هذا التوجه السلبي ينعكس على الحياة العامة للبلد والمواطنين.
وإذا كان وجودها مقننا بالدستور باعتبار تأطيرها للمواطنين، فإن حالات التردي التي تعيشها تلك الأحزاب على صعيد الزعامة والممارسة، تكاد تفقدها الشرعية، وقد فقدتها فعلا على المستوى الشعبي الذي لم يعد يتوسم فيها أي خير أو فائدة لابتعادها عن واجباتها الدستورية والوطنية وتشبثها بالمصالح والإمتيازات الشخصية والفئوية، واستسلامها أمام المناصب الكبيرة والتعيينات الجالبة للحظوة والجاه في مظاهر من الذل والمهانة والخنوع.
الآن لم يعد هناك شك في أن المغرب في حاجة إلى ثورة فكرية وسياسية تقلب الأوضاع والمعطيات الحالية لإنقاذ ما يمكن إنقاذه والأفضل أن تكون بدون هذه الأحزاب الفاسدة المفسدة التي تهيمن على الساحة السياسية والوطنية.
طنجة، في 2004/11/6


Comentarios