في الحاجة إلى إستراتيجية للتواصل بين شعبى المغرب واسبانيا بقلم:المختار الغربي


    الشؤون الثقافية، التربوية واللغوية عنصر أساسي في العلاقات بين  المغرب واسبانيا، تصرف اسبانيا من أجله مبالغ مالية مهمة وحشدا كبيرا من الأطر المختصة في تلك المجالات. لكن، في المقابل لا يقوم المغرب بأي مجهود لتسويق المغرب ثقافيا، لغويا وتربويا، بحيث تفتقر السياسة الرسمية والبعثات الدبلوماسية، السفارات والقنصليات المغربية، في اسبانيا لأية إستراتيجية في هذا المجال ولا تبدع أية مبادرات لإنشاء مراكز ثقافية مغربية وتعليمية فوق التراب الاسباني، في وقت يبذل فيه الاسبانيين مجهودات جبارة للتعرف علينا والبحث في موروثنا الثقافي والاجتماعي والشعبي والفني، كما تمول أبحاثا ودراسات وتآليف في هذه المجالات.
   نفس هذا الإهمال ينسحب على الجانب الإعلامي والتواصلي مع الجانب الاسباني على كافة المستويات، مما يخلق للمغرب مواجهات مع الإعلام الاسباني، وبالتالي نتعرض لكل أنواع التبخيس والمغالطات والأكاذيب والإهانات واختلاق المواقف التي تهزمنا شر هزيمة وتشوه الآراء اتجاه قضايانا الحيوية.
   من بين الملفات المهمة، إلى جانب السياسة والاقتصاد، التي كانت محور لقاءات المسؤولين في البلدين، المغرب واسبانيا، خلال الزيارة الرسمية التي قام بها العاهل الاسباني السابق إلى المغرب خلال شهر  يوليوز 2013، مسألة الثقافة والتربية، التي ترتكز على الشأن اللغوي بالأساس.

   
إن ما تقوم به اسبانيا من أجل تسويق لغتها وثقافتها وأساليب عيشها، لا يمكن مقارنته بالإهمال التام من جانبنا في تلك القطاعات، من ضمنها الرعاية للمواطنين المغاربة وأبنائهم في اسبانيا. لهذا يشتكون من التهديد الذي يطالهم. وهذا يؤكد بأن ضياع اللغة والثقافة والدين وربما الهوية أمر وارد، حيث يعربون عن الأمل في تقديم العون والدعم في مجال التربية والتعليم لإنقاذ أبناء الجالية.
   المغرب واسبانيا يشتركان ويجمعهما التاريخ والجغرافيا، مما يفرض عليهما إرساء علاقات تتسم بالتعاون في كل المجالات، من ضمنها تشكيل مخططات ثقافية لخدمة الشعبين الجارين والصديقين والتخلي عن الأفكار المسبقة والنظرة النمطية بينهما. كل هذا يجد أساسه في كون هذا المجال يعتبر رأسمالا غنيا يشمل قطاعات الإبداع الفني والأدبي٬ وأيضا مجالات التربية والتعليم والتبادل الثقافي والعلمي والأكاديمي.
  لكل ما سبق ذكره، ورغم كل المعطيات المتعلقة بهذا الموضوع، فانه هناك نوع من الضبابية في فهم الواقع بين البلدين والشعبين. لذلك فانه من مهام التعاون والصلات الثقافيين المساهمة في تطوير الأدوار المنوطة بالمؤسسات من أجل تمتين العلاقات الثنائية.

   
من بين القضايا التي تهم العلاقات المغربية الاسبانية، مسألة بعض الشراكات التي تتم بين بعض الجمعيات الاسبانية غير الحكومية المدعمة من طرف الحكومات المحلية، سواء في مقاطعات الأندلس أو منطقة كطالونيا، مع بعض الجمعيات المغربية والمجالس المنتخبة، بالأخص في مناطق المغرب الشمالية، في بعض الحالات تكون الشراكات مباشرة بين هذه الأخيرة والحكومات المحلية في اسبانيا. لكن، هناك عمليات الاحتيال والغش، وفي بعض الأحيان النصب، التي تقوم بها تلك الجهات الاسبانية، وفي غالب الأحيان لا توفي بالتزاماتها فيحسب الأمر لصالحها دون وجه حق، ويسجل علينا أننا استفدنا من تلك الشراكات المتعلقة بتبنى بعض المشاريع التافهة التى تنفذ في مجالات مختلفة بشمال المغرب، وبأموال مهمة.

  
لكن، الإشكالية، هو أن تلك الجهات الاسبانية، وبعد حصولها على أموال ضخمة من الحكومات المحلية والبلديات، تخطط بها لمشاريع ضعيفة في مناطقنا وفي مجالات مختلفة، ولا تصرف حتى نصفها والباقي يقع التصرف فيه بطرق مختلفة ليستفيد منها أصحاب تلك الجمعيات الاسبانية والقائمين على بعض تلك المشاريع، وأيضا بطرق مختلفة، حتى أنه يتم دمج مصاريف السياحة والتمتع والترفيه ضمن الميزانيات المخصصة لتلك المشاريع.
بل، في بعض الحالات يتم التواطئ بين بعض المسؤولين عن جمعياتنا وفي الجماعات المحلية مع الطرف الآخر لنهب ما يمكن نهبه بطرق مشبوهة. لكن، في نهاية المطاف، الجميع يعرف أنهم يضحكون على بعضهم، المهم أنهم يخرجون جميعهم سالمين غانمين.
 
هذا موضوع خطير جدا، فحينما يتبجح البعض بالتعاون بين المغرب واسبانيا عن طريق تلك المشاريع المضحكة أو المبكية، سيان، فان الأمر لا يعدو أن يكون عمليات ترقيعية لا تقدم ولا تؤخر، يتم عبرها الضحك على بعض البسطاء والفقراء من الذين تتحمل مسؤوليتهم الدولة المغربية، وبعدها يتم الترويج إلى تلك الشراكات كأنها آوت حيا أو أنقذت من البطالة جيشا أو أنها علمت جيلا بكامله وغير ذلك من الأكاذيب. مع أن كل تلك المشاريع يمكن، بل من مهام وواجب المجالس المنتخبة، أن تقوم بها وبأكثر منها، لو لم يتم السطو على ميزانيات المال العام وتبذيره في أمور مخجلة ليس لها أية قيمة مضافة لتحسين أحوال الناس وتيسير أمورهم ومساعدتهم على محاربة أشباح الفقر والبطالة والجهل واستغلال الممتلكات العامة.
لكن، صراحة لا نعرف من يضحك على الآخر، إلا أنه من المؤكد أنهم جميعهم يضحكون على المغرب والمغاربة ويلطخون سمعتنا ويسودون كرامتنا ويهينون تاريخنا وذكائنا. الخطير في الأمر أن تنام كل الأجهزة على هذه المهازل والمصائب، ولا أحد يقول: هذا منكر يجب تغييره.

   
هناك جوانب من التقصير في التعريف بالمغرب والمغاربة وقضاياهم الحيوية، تاريخا، ثقافة وإعلاما، والتي على ضوئها يتم تكوين وتقييم المواقف والآراء حول المغرب والمغاربة على المستويات الرسمية، الشعبية والإعلامية.
    إن حقيقة المواقف والآراء المشوشة في اسبانيا اتجاهنا مبعثها الإهمال والقصور والتقاعس من جانبنا نحن المغاربة، على جميع المستويات، في تواصلنا مع الطرف الآخر. وما معاناتنا مع الاسبانيين إلا نتيجة حتمية لعدم وعينا بتلك الحقيقة. وبالتالي فإننا، رسميا، شعبيا وإعلاميا لا نقوم بأي مجهود لمواجهتها بالمطلوب، في مقابل ما يقوم به الآخر من مجهود اتجاهنا بهدف التعرف علينا.
   قبل عدة أسابيع  نشر استطلاع لمعهد اسباني متخصص يتمحور حول نظرة الاسبانيين اتجاه المغرب كدولة والمغاربة كشعب، استطلاع صادم بكل المقاييس. نحن في نظر الاسبانيين (أعداء وبلدنا عنيف وذو اديولوجية إسلامية وجاليتنا عندهم تشكل خطرا عليهم). طبعا نحن لا نستبعد مسؤولية الجهات الرسمية المغربية في مثل هذا الظواهر، فالاسبانيين يعتمدون، في واقع الأمر، على ما يتلقونه من حشد إخباري وإعلامي، وليس بالضرورة بما نحن عليه، وهذا الحشد تمليه عدة عوامل، أهمها عوامل من صنعنا ومن إهمالنا ومن تقصيرنا.

    إن الاسبانيين يجتهدون بكافة الوسائل والإمكانيات ليصلوا إلينا، ولا نفعل نفس الشيء لنصل إليهم، فكيف سيفهموننا ويحترموننا. هناك إذا حاجز نفسي، اعلامى، ثقافي، اجتماعي وتاريخي يعرقل خطواتنا.

  
بدون شك يمكن اعتبار الثلاثة عشرة سنة الماضية من أصعب الفترات التي مرت منها العلاقات المغربية الاسبانية، بالأخص خلال السنوات التي كان فيها اليميني المتطرف خوصي ماريا أثنار ممسكا بمقاليد الحكم في الجارة الشمالية، نؤشر هنا على وجه الخصوص مواقفه الصبيانية اتجاه المغرب وقضاياه الحيوية وتصرفه السخيف في أزمة جزيرة ليلى. وقد توالت مواقف الحزب الذي ينتمي إليه في اتجاه تسميم العلاقات بين البلدين باستغلال كل الظروف والأحداث، ومنها أحداث مخيم اكديم ايزيك أواخر عام 2010. ويبدو أن المصالح الوطنية الاسبانية أجبرت زعماء الحزب الشعبي، في النسخة الحالية لتدبير شؤون اسبانيا، على التعامل بروية وتبصر اتجاه الجار الجنوبي، وهذا ما خفف من وطأة المشاحنات بين البلدين.

  
لكن، هذه الإشارة تبقى ناقصة بدون العودة والتنصيص على أن الصحافة الاسبانية كانت معولا آخر من معاول تدمير وتخريب العلاقات بين المغرب واسبانيا، بل إن مواقفها ساهمت بقدر كبير في تعميق صعوبة التواصل الطبيعي بين جارين تجمعهما روابط أكثر مما تفرقهما. وقد كانت العلاقات المغربية الاسبانية دائما في حاجة إلى مبادرات بنوايا حسنة ليعكف الجانبان على التواصل والتوصل إلى مواقف متقاربة لخدمة مصالحهما المؤسساتية والشعبية الحيوية، خصوصا في الجانب الاعلامى المؤثر تأثيرا قويا في تشكيل توجهات الرأي العام اتجاه القضايا حتى ولو كانت بعيدة عن اهتماماته الحيوية.

Comentarios