حين تنشر بعض أخبار مصر في الخارج، وتصبح مثارا للتحليل
والتعليق دون أن نجد لتلك الأخبار صدى في داخل مصر، فإن الأمر يصبح محيرا لمتابع
الشأن المصري.
ليس ذلك فحسب
وإنما تظل تسمع فيه وتقرأ وجهة نظر واحدة في حين تغيب وجهة النظر الأخرى.
خذ مثلاً ما نشرته جريدة «الحياة» اللندنية يوم ٢٠ سبتمبر
الحالي تحت عنوان:
الجيش المصري
يشق قناة مائية موازية للحدود مع غزة،
وفي الخبر أن مصادر عسكرية مصرية ذكرت أن القناة
المائية بدأت الجرافات في شقها بطول ١٣ كيلومترا وعمق تسعة أمتار، وهي مقامة
بموازاة الشريط الحدودي،
وتهدف إلى القضاء بشكل نهائي على أنفاق التهريب،
كما سيتم استغلالها في إقامة مزارع للأسماك ضمن خطة
لتنمية شمال سيناء.
أضافت تلك المصادر أنه سيتم الانتهاء من تنفيذ القناة
الجديدة خلال أسابيع، بحيث تضخ مياه البحر إليها لإقامة المزارع.
نقل الخبر المنشور في جريدة «الحياة» من غزة تصريحا لنائب رئيس حكومة القطاع السابق زياد الظاظا وصف فيه ضخ الجانب المصري للمياه المالحة في مدينة رفح المصرية على طول الحدود مع القطاع بأنه بمثابة «انقلاب على قيم الجوار».
وقال الرجل في حديث لإذاعة «صوت الأقصى»:
إن من شأن هذه الخطوة تشديد الحصار على غزة.
لذلك فإنه ناشد السلطات المصرية وقف إقامة الأحواض التي
ستغمرها مياه البحر، نظرا لخطورتها على البيئة، الأمر الذي ستكون له نتائج وخيمة
على رفح الفلسطينية والمصرية في آن واحد.
الموضوع ذاته عرضت له صحيفة «تايمز أوف إسرائيل»، حيث نشرت يوم ١٥ سبتمبر تقريرا نقلته عن وكالة الأنباء الألمانية ذكرت فيه أن مصر بدأت في ذلك اليوم (الجمعة ١٤ سبتمبر) ضخ المياه في المجرى الذي بدأ حفره لحسم مسألة الأنفاق والتضييق على الأنشطة «الإرهابية» التي كانت تتم عبرها،
ونقل التقرير عن مصادر رسمية قولها إنه ستتم إقامة ١٥
مزرعة للأسماك في المنطقة المغمورة بمياه البحر الأبيض المتوسط، الأمر الذي سيجعل
مد الأنفاق بعد ذلك أمرا مستحيلاً.
على صعيد آخر، تتداول مواقع التواصل الاجتماعي تقريرا
أعدته سلطة المياه الفلسطينية في غزة بخصوص الموضوع.
ومما ذكره التقرير أنه أثناء احتلال إسرائيل للقطاع
طرحوا فكرة إنشاء قناة مائية أو خندق مائي في محور فلاديفيا على طول الحدود
المصرية الفلسطينية بعرض ٥٠ ــ ١٠٠ متر وعمق ١٠ ــ ٢٠ مترا،
ولكن الفكرة استبعدت لصعوبة تنفيذها،
وربما لتدميرها للبيئة فى تلك المنطقة من قطاع غزة
وانسحاب الإسرائيليين من القطاع في العام ٢٠٠٥.
بعد ذلك تجددت فكرة إنشاء قناة حالية أو جدار فولاذي إبان
حكم الرئيس الأسبق حسني مبارك عام ٢٠٠٩.
وبالفعل تم الشروع في تنفيذ الجدار في المنطقة التى
تنشط فيها الأنفاق شمال وجنوب معبر رفح.
وبعد أن قطع التنفيذ شوطا غطى عدة كيلومترات، توقف
العمل فيه بسبب ثورات الربيع العربي وتنحي مبارك..
لكن الفكرة تجددت لاحقا حيث تم تدمير أكبر من ألف نفق،
وقبل شهر بدأت عملية الحفر وظهر أنبوب الماء الذي قيل إنه سيحمل مياه المتوسط
المالحة إلى المجرى المائى الجديد.
تحدث التقرير أيضا عن دراسات أجرتها سلطة المياه تبين منها أن مياه المتوسط المالحة سوف تتدفق نحو خزان المياه الجوفية الكبير الذي تعتمد عليه رفح الفلسطينية والمصرية،
وهو ما يشكل كارثة بيئية تصيب التربة والمياه الجوفية
ومجمل الحياة في المنطقة بأضرار كبيرة.
ومن شأن ذلك أن يؤدي إلى انتشار الملوثات مثل الكلورايد
بسرعات عالية جدا،
الأمر الذي
يجعل منطقة رفح الفلسطينية بوجه أخص تحت تأثير الملوثات في فترة قصيرة جدا.
أسهب التقرير في عرض الدراسات الفنية التي تم إجراؤها، التي دعمت وجهة النظر التي استخلصها خبراء سلطة المياه الفلسطينية في القطاع.
لكن معلوماته
وخلاصاته تظل معبرة عن وجهة نظر الطرف الفلسطيني، التي هي الوحيدة المتاحة في
الوقت الراهن أمام الباحثين والمتابعين، الذين لا تتوفر لهم أية معلومات عن وجهة
النظر المصرية، والعوامل الأمنية أو التنموية التي حركت المشروع.
إضافة إلى الدراسات التي أجريت لتجنب الأضرار البيئية
الكارثية التي تحدث عنها تقرير الطرف الفلسطيني.
وأخطر تلك الأضرار تأثير مياه البحر المالحة على خزان
المياه الجوفية الذي يعتمد عليه القطاع فى الزراعة والري.
هذه الخلفية تستدعي العديد من الأسئلة التي يسهم غياب وجهة النظر المصرية في تحويلها إلى مصدر للبلبلة والوقيعة وتشويه الموقف المصري في موضوع بالغ الدقة والحساسية يتعلق بمصير الحياة في قطاع غزة.
إن مصر تسعى جاهدة إلى احتواء وتجنب الأضرار المترتبة على إقامة سد النهضة الإثيوبي
ولأجل ذلك لجأت إلى القنوات الدبلوماسية والمكاتب
الهندسية الاستشارية لكي تبدد المخاوف وتطمئن.
لذلك حري بها أن تبدد الشكوك المثارة حول تداعيات
مشروعها المائي الجديد في سيناء الذي لا تزال أسئلته بلا أجوبة، لكي لا يساء الظن
بها ويشوه موقفها في ظل التعتيم والصمت
Comentarios
Publicar un comentario