فلسطين والوعود المنسية .. بقلم د.مازن صافي

حين يفتقر عالمنا العربي إلى البحث العلمي في كافة مجالاته، ويتحول البرنامج العلمي إلى ملحق في موازنات الدول العربية، في المقابل نجد أنه في الدول الغربية وحتى في دولة الاحتلال، يتم الإغداق بلا حدود لكل مجالات البحث العلمي، هناك سنجد أنهم يقرؤون النتائج المتوقعة لسنوات قادمة وبالتالي يبنون عليها خططهم المرحلية والاستيراتيجية، ويطوعون الأحداث والمعطيات من أجل الوصول الآمن الى توقعاتهم المستقبلية وفي كافة المجالات سواء الاقتصادية أو السياسية او الاجتماعية او العلمية، ولهذا فحين يتم الوصول إلى محطة ما من تلك التوقعات، نجدهم قد احتاطوا مما يحدث ومن الآثار المختلفة التي قد تطرأ لأنها تكون في حكم التوقعات، بالتالي لا يضعون الايجابيات فقط في خططهم ويعيشون الأمنيات والعاطفة المجردة من حسابات الربح والخسارة.



تعتمد كثير من التوقعات السياسية الحالية على ضعف او غياب القطب الأمريكي كمنفرد وواحد واشتراك العديد من المنظومات الأخرى، بالتالي يتم وضع التوقعات رهن ذلك، وفي هذا قصور واضح في قراءة واقع العالم وكيف يتطور وما هي القضايا الرئيسة التي تشغله ويقدم الموازنات المفتوحة من أجلها.


من الفرضيات العالمية التي تطل برأسها وبقوة ما يسمى بالتكتلات الإقليمية في العالم، وهي تكتلات يراد بها الاستفادة من الاقتصاد المشترك والتخفيف من الأزمات الطارئة، والحفاظ على التقدم التكنولوجي والاقتصادي والرفاهية التي وصلت لها شعوبهم في كافة مجالات الحياة، وهنا يتم البحث عن "الضحية" وبالغالب فإن الضحية يجب أن تكون منزوعة القوة والقوة السياسية داخل نظامها السياسي ولا مانع لتلك التكتلات أن تكون راعية لكل زوايا الفوضى، وصناعة الإرهاب والموت في تلك البلاد النامية والتي في منظورهم يجب أن تكون سوق مفتوحة منعدمة الإرادة منشغلة في خلافاتها وفي فوضى الشعوب وتحطيم دساتيرها وتعطيل كل مقومات التنمية فيها.


العالم لا ينظر لنا بأننا مستودع حيوي سياسي وعسكري، ولا يوجد لهم مصالح استيراتيجية تؤثر عليهم، ولهذا يتم إغراقنا بما يسمى عدالة المجتمع الدولي، وحقوق الإنسان والتضامن الاجتماعي والحقوق السياسية والثقافية، ولكن كل هذا يعتبر أكاذيب لأن القضية الفلسطينية هي القضية المركزية للعرب والمسلمين وفي منطقة الشرق الأوسط، وهي القضية التي يراد إضعافها بشتى الطرق، بحيث تتحول اهتمامات الشعوب الى ما يشغلها داخليا، وحتى لأصحاب القضية يتم إشغالهم بالعوز الاجتماعي والمشاكل اليومية والعدوان المستمر وتدمير مقومات الحياة، والتباطؤ بل عدم الجدية في إنهاء الاحتلال أو تقديم الحماية الدولية لشعبنا الفلسطيني.



الولايات المتحدة الأمريكية لازالت تتفوق في موازنات الأبحاث العسكرية وفي ميزانية الدفاع، وهي تسجل أعلى مستوى عن سائر الأطراف الدولية، وجزء كبير من هذه الموازنات يوجه نحو منطقة الشرق الأوسط وخاصة الدول العربية والعراق لا يزال يعاني من الاحتلال الأمريكي وتضخيم التفوق العسكري الإسرائيلي، ويأتي اليوم توصل الولايات المتحدة الى تفاهم واتفاق مع إيران بصدد البرنامج النووي الإيراني، وبهذا سوف يتم طمأنة (إسرائيل) من خلال زيادة موازنات الإنفاق لإسرائيل لتضخيم تسلحها العسكري الشامل، والمطلوب من الاتفاق الأمريكي مع إيران حقيقة هو نتائج اقتصادية وتهديد مباشر لما تبقى من الدول العربية التي لم تصلها الفوضى المصنعة والتي يتم إدارتها بواسطة دول العالم العظمي، لتصبح مرة أخرى سوق استهلاكي للأسلحة والأدوية والأغذية وزيادة رقعة الصراعات وإنشاء مشاريع جديدة في المنطقة تتلاقى مع التكتلات الإقليمية والدولية، وبهذا يتم تصفية القضية الفلسطينية إقليميا ودوليا وإشغال الشعوب العربية بالتهديد الداخلي والمحيط بها، ناهيك عن الاحتلال الإسرائيلي.

ليس من الوهم أن نسجل أن العرب يجب أن يعززوا من وحدتهم التقاء قياداتهم ومقاومة الفوضى والإرهاب واستغلال الظروف الاقتصادية، وليس من المستحيل أن يتشكل تكتل عربي اقتصادي وسياسي وعسكري يفرض على العالم التعامل باحترام مع كافة القضايا العربية وعدم اعتماد الدول العربية "كمكب" للنفايات العسكرية أو الأفكار الجهنمية البعيدة عن حضارتنا وتسامحنا.


إن قضيتنا الفلسطينية باتت تمر في مرحلة في غاية الخطورة منذ التراجع الكبير الذي أحدثه الانقسام وتتزايد تداعياته منذ أكثر ثماني سنوات والذي يتم دفعه إسرائيلياً ودولياً لغرض إنهاء  قضية الوطن والهوية والقدس والدولة ويفتح الباب أمام المحتل كي يتفرد أكثر بنا قيادة وأحزاب وجماهير، وها نحن قد عشنا فصل صعب من فصول القضية، حيث أعلنت الأونروا أنها قد ترفع يدها عن التعليم وبعض المرافق الأخرى الحيوية، مما أدى إلى سخط هام واستنفار جماهيري، وقد تعود المشكلة أصعب مما هي الآن إن لم يتفادى جذور الكارثة ويقف المجتمع الدولي عند مسؤولياته لكي لا يتم دفع الناس إلى أقصى درجات الغضب وردود الفعل تجاه كل شيء .


وخلاصة القول أنه مع استمرار الانقسام الفلسطيني الداخلي، فإن القضية الفلسطينية سوف تتراجع، لأن الانجازات الدولية المشهودة تجاه قضيتنا وعضوية دولتنا الدائمة في الأمم المتحدة، لن تكتمل بدون الوحدة الفلسطينية، وكما اتفقنا أن العرب لن يكونوا أقوياء أمام التكتلات الدولية المنظورة، فإن الفلسطينيين لن يكونوا أقوياء في وجه الاحتلال وأمام العالم ما لم نعود للوحدة الوطنية وحماية قرارنا الفلسطيني المستقل، والارتقاء بكل مكونات البناء الوطني ومؤسساته وقواه الذاتية .

 

 ملاحظة : الإدارة الأمريكية تعزز استمرار تفردها بالعالم، وبالتالي فإن وضع أي استيراتيجية تعتمد على غير ذلك، تحتاج إلى براهين واقعية لنجاحها.

Comentarios