أية مرحلة يعيش المغرب؟ تحليل في مفاهيم النظام، الحكومة والانتخابات بقلم: المختـــار الغربـــى



 

    يميل البعض إلي اعتبار مفهوم أو مصطلح النظام السياسي كونه يتعلق بتحديد هرم السلطة في شموليته، بالقول ملكي أو جمهوري. لكن لا نهتم بالقاعدة الثلاثية للسلطة في الدولة، رغم أنه، في واقع الأمر، السلطة الملكية هي المشرفة والموجهة، بطريقة أو أخرى، لباقي السلطات.

      كمواطن عادى، من حقي فهم الأمور بالطريقة التي تمسني في حياتي واهتماماتي، ولا تهمني التخريجات “المخدومة” المبنية على استغلال المعرفة الأكاديمية لتبسيط القضايا الجدية واستخدامها لخدمة مواقف وتصورات لأهداف سياسية.

    يخطئ البعض حينما يتم التأشير على أن القصد من النظام السياسي يتحدد في كونه ملكيا، بالنسبة للمغرب. الحكومة هي أيضا نظام سياسي، إذا كانت منبثقة عن آليات مضبوطة ومنضبطة من الحكمة والنوايا الحسنة. لهذا يحق التساؤل: هل حقا لدينا حكومة مؤسسة على تلك الآليات؟ وهل حقا كان تأسيسها نتيجة للإرادة الشعبية؟ وهل الدعم الملكي والدستوري قادران على إعطائها فرص النجاح وتجنيبها خيبات الفشل؟

    المشتغلين بالسياسة في المغرب يعرفون أنه لم يسبق في تاريخ المغرب أن كانت هناك حكومة مدعومة بالدستور، وبالتالي لم تكن في جيناتها بصمات من الإرادة الشعبية. فهل الحكومات التي نودعها أو التي تخلفها قاعدة أم استثناء؟

    الجواب نستشفه بكل بساطة، وبدون تعقيدات أكاديمية أو فقهية، من القوانين الانتخابية التي على أساسها تم التلاعب بتكوين الحكومات:

أولا:
   في أصل تلك القوانين، بإجماع كافة الأطراف، لا يمكنها إفراز حكومة واضحة المعالم ومعبرة عن الإرادة الشعبية، لأن مضمونها وضع أساسا لكي لا تكون هناك حكومة (نقية الأصل والفصل)، بمعنى أن الذين وجهوا المشرعين أرادوا عن (عمد وسبق إصرار) أن يضعوا العصا في العجلة، برهن حزب الأغلبية النسبية في يد أحزاب أخرى متحكم فيها وتحت الوصاية.

ثانيا:  
   حينما يتجه الناخبون إلى التصويت فأنهم في حقيقة الأمر لا يعلمون بأن أصواتهم يقع التلاعب بها بواسطة (القانون) أي قانون الانتخابات الذي لا يعطى لأي حزب الأغلبية العددية اللازمة للتخلص من تبعات التعامل مع أحزاب أخرى، قد تكون عميلة لجهات نافذة، أو على الأقل أن يفرض اختياراته على حزب واحد أو حزبين ليسا مرتبطان بجهة ما. بمعنى أن هناك احتيال قانوني على الإرادة الشعبية وحرية الاختيار، مما يجعل الناخبين عرضة لاغتصاب حقهم في استعمال تلك الحرية، ما دامت القوانين الانتخابية تحد من تلك الحرية وذلك الحق. ذلك أن آليات توزيع الأصوات تستعمل لتشتيت والتحكم في نسب حصول الأحزاب علي الأصوات، وبالتالي تحديد استفادتها منها.

    هكذا تتم قيادة الأحزاب إلى حتفها وتنتفي بذلك كل الادعاءات حول الشفافية والديمقراطية والاختيار الشعبي الحر. يقع هذا برضي الأحزاب وقياداتها ومنظريها.

        انه فعل شنيع  لذبح الاختيار الديموقراطى الحر، لأن المشرع الذي تناط به هذه المهمة، بالتعليمات والتوجيهات، مجبر على إخراج مثل هذه القوانين لتطويق الإرادة الشعبية وقتل كل أمل وطموح نحو ديمقراطية حقيقية. اللوم يقع على الأحزاب التي تشارك بإرادتها في المشاورات حول تلك القوانين وتؤشر عليها ضمنيا بقبولها وتطبيقها والتعامل بها وعلى أساسها.

    بمعنى أن نية الأحزاب ثابتة في تمييع العمل السياسي والتورط ضد الإرادة الشعبية واغتصاب حق المواطن وحريته في الاختيار الأمثل لممثليه ومدبري شؤونه ومصالحه.

لكن المثير في الأمر هو أن ترفع الأحزاب عقيرتها بالشكوى من نتائج وتداعيات (البلقنة) وكأنها بريئة ومظلومة ولا علم لها بقواعد اللعبة المفروضة عليهم وعلى المواطنين.

   من المزعج الإفراط في استعمال مصطلح الديمقراطية، حتى أن هناك من يسمى نفسه بالديموقراطى الحداثى، ومن يطالب ويلوك أكذوبة الديمقراطية الحداثية، وهى مصطلحات خلقت فقط للتستر على نوايا سيئة لفئة من الانتهازيين الذين باعوا أنفسهم لشيطان المناصب والامتيازات.

    بعيدا عن “فقهاء السوء” الذين يحللون الحرام ويحرمون الحلال، يحق التساؤل عن مشروعية التسابق نحو الأصوات والمناصب للوصول إلى كراسي مشكوك في شرعيتها، خصوصا إذا وضع حزب رهينة في يد أحزاب كانت دائما شريكة في كل المصائب التي أصابت وتصيب المغرب والمغاربة.

    سيكون من الخطأ اعتبار كون الحكومة، أية حكومة،  تملك الإرادة والحرية في تدبير الشأن العام، خصوصا بعد اللغط الذي تعالى بأن الدستور لم يجد طريقه بعد للتنزيل السليم، بالأخص عدم وضوح ملامح القضايا الأساس والأهم في حياة المغاربة. ولا يصح إلصاق التهمة الجاهزة بأشباح الحكومة الخفية، فمهمتها واضحة وجلية، ومهمة الأحزاب، بدون استثناء، غامضة وملتبسة، وبينهما وبإرادتهما تقع كل المهازل حول عدة مفاهيم لم تعد لها أي معنى في عالم القرن 21 

   بعد أزيد من 60 سنة من الاستقلال، لم نصل بعد إلى بناء دولة حقيقية، بسبب فشلنا في أن تكون لنا إرادة حقيقية لبناء تلك الدولة، وبسبب المكر في تعاملنا مع القضايا الأساس للأمة.


Comentarios