الإعلام، الهوية، الحداثة والحرب الفكرية المفتعلة بقلم المختار الغربي






     من المثير أن يبقى التلفزيون في المغرب، بعد خمسين سنة من ظهوره، رهينة لإرادة هجينة لا تريده أن يكون لا مسلما ولا مغربيا، هذا الأمر ينطبق أيضا على العقليات المتحكمة في مفاصله.

     هناك أمر آخر يقع تجاهله في خضم هذه الحرب المفتعلة ضد إرادة المغاربة، وهو أمر خطير بكل المقاييس، في ظل مظاهر الفساد السائدة والأزمة الاقتصادية، وهو المتعلق بالأموال العمومية التي يبذرها التلفزيون في كل اتجاه، موازاة مع الاختناق المالي الذي تعيشه القناة الثانية، على سبيل المثال وليس الحصر. كل تلك الأموال تذهب بطرق شتى إلى جيوب أشخاص يتحولون بموجبها من الفقر النسبي إلى الغنى الفاحش، بدون أن يتجرأ أحد على محاسبتهم ومعهم من يسروا لهم عملياتهم القذرة.
    من الإشكاليات الكبيرة والخطيرة التي يعيشها الإعلام العمومي في التلفزيون،مسألة الهوية، فليس من الصواب الاعتقاد بأن عملاء التغريب فئ المغرب يفهمون خطأ مفهومي الهوية والتعدد اللغوي، بل الأصح اعتبارهم كما هم، عملاء بدرجة طابور خامس يروم التخريب، وفى أجندتهم أولويات، بداية من الهوية المغربية، مرورا بالهوية الدينية ولغة القرآن، المنصوص عليها فئ الدستور كمبدأ غير قابل للنقاش والمعارضة، وليس كما قال مدير القناة الثانية بأنها تتطلب قانونا تنظيميا لتطبيقها، بهدف التشويش وإخراج القضايا عن سياقها الأساسي، مما يجعل منهم حاقدين على اللغة العربية، التي يجتهدون فئ تدميرها باسم التعدد اللغوي والانفتاح واستلاب المغاربة بدل تذكيرهم بهويتهم الحقيقية والعمل على ترسيخها فئ أذهانهم ومشاعرهم.

    من أبشع مظاهر الاستعمار الثقافي والاستلاب الفكري لدى من يزعمون كونهم حداثيين وعلمانيين، أن يحشروا مسألة الهوية فئ معاركهم المخجلة ضد المغاربة ويحصروها فئ مجرد خ
طر الأسلمة ضد التعدد اللغوي والفكري. هؤلاء لم يسبق لهم أن دافعوا عن حق المغاربة فئ المساواة والعدل والكرامة. بل كانت نفس المبادئ والمفاهيم عرضة لتهجماتهم والتقليل من أهميتها مقابل الرفع من أسهم أغبياء الفرنسة. ويفوتهم أو يتجاهلون، عن عمد وسبق إصرار، بأن كل القوانين والإجراءات المفروض اتخاذها فئ المغرب، يجب أن تكون لصالح المغاربة وفى خدمة هويتهم الحقيقية، وإذا لم يقبل (أصحاب الهوية الأجنبية) بهذا فليشربوا البحر وعليهم مغادرة هذا البلد.
   ليس هناك دولة واحدة فئ العالم تقبل بطمس هويتها الحقيقية، الوطنية واللغوية، لإرضاء عصابة من المتسلطين والعملاء الذين يخدمون أجندة خارجية وينفذون توجهاتها. فهل يقبل هؤلاء بإحلال اللغة العربية مكان الفرنسية فئ الإعلام الفرنسي أو فئ أجهزتها المختلفة؟


Comentarios