الريع الاقتصادي بين المصلحة الوطنية وجشع رجال الأعمال بقلم: المختـــار الغربـــي


    عشت في الأقاليم الجنوبية، ملبيا نداء الواجب الوطني، لمدة ستة سنوات، سنتين في الداخلة وأربعة سنوات في العيون، في أوقات حرجة. ومن جملة المعطيات المهمة التي اطلعت عليها، كون المراهنة على نخبة معينة من الأعيان، بالأموال الطائلة والمناصب الكبيرة والامتيازات المتعددة، كلها لم تقدم أي خدمة أو قيمة مضافة لقضية الصحراء المغربية، بل يمكن القول بأن كل ذلك أثمر شريحة من الانتهازيين الذين يطالبون بالمزيد مقابل "ولاء زائف ومؤدى عنه.
  
  ثم إن هذه الوضعية لم تحل دون ظهور جيل جديد من الشباب الذين يسهل اقتيادهم من طرف زعماء الانفصال ومعاكسة المغرب والقيام بأقذر الأعمال لصالحهم، والحالة أن هؤلاء الشباب ولدوا وتربوا ويعيشون بين "نخبة الأعيان" المسترخية أمام مظاهر الغنى الفاحش. وبالتالي فلا مفر من الجهر بأن ظاهرة انفصالي الداخل لم تخلق عبثا وبدون مقدمات، فزيادة على كونها متشبعة بالفكر الانفصالي وعميلة للمخابرات الجزائرية والمنظمات الدولية التي تعاكس المغرب، فإنها في بداية ونهاية الأمر، ثمرة لإهمال "نخبة الأعيان" لواجباتها فئ حماية المصالح الوطنية فئ قضية الصحراء المغربية.
    قبل ذلك، منذ خمس ست سنوات، روج رجال الأعمال المغاربة عبر جمعيتهم خطابا، أقل ما يمكن أن يوصف به، كونه منافقا وانتهازيا، حيث تفتقت عبقريتهم عن إطلاق اسم (المقاولة المواطنة) على شركاتهم والأموال الطائلة التي يجنونها عبر الكثير من الامتيازات التي يستفيدون منها والتي تقدمها لهم الدولة أو ببساطة يغتصبونها اغتصابا عبر التهرب من الضرائب وسوء جودة انتاجاتهم ومظاهر الريع الاقتصادي التي يسبحون فيها، تماما كما لدى إخوانهم من المقاولين وأصحاب الشركات في الصحراء المغربية. كل هذا لا علاقة له بالمواطنة ولا الوطنية.
    ويكفي أن تتم أية إشارة لتساهم تلك المقاولات في دعم الأحوال السيئة لأغلبية المغاربة، حتى يكشر أصحابها عن أنياب جشعهم لينظموا حملات ضد كل مس بثرواتهم وأرباحهم الخيالية، كما يتخدون مواقف مريضة اتجاه كل نية في أن يساهموا في إنعاش الثروة والشغل وتحسين الظروف الاقتصادية للتخفيف من معاناة المغاربة. يكفي هنا الإشارة إلى مثالين، الأول معارضتهم للمساهمة في صندوق دعم الفئات الضعيفة، والثاني ما تم كشفه من أن رئيسة جمعية المقاولين المغاربة تربح، ربحا يوميا صافيا، مبلغ (مليار سنتيم) من استغلالها لنوع من أنواع المياه المعدنية.
ما الأمر الذي جعلنا نطرق هذا الموضوع الكبير والحساس؟
     قدم "المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي" في نسخته الثانية منذ عام مضى، نموذجا تنمويا خاصا بالأقاليم الجنوبية (الصحراء المغربية). هذا النموذج الواقعي يبدو أنه يتعرض لحرب ضروس وحملات شعواء من طرف أصحاب المصالح المقاولاتية في تلك المناطق، الذين استفادوا على مدى أربعين سنة من امتيازات خيالية ما أنزل الله بها من سلطان.
    المجلس يقترح، من ضمن أمور أخرى منطقية وواقعية، نظاما جديدا للضريبة على الشركات والضريبة على الدخل، أقل مما هو معمول به في باقي مناطق المغرب، لأن المناطق الجنوبية كانت معفية من عدة أمور تزيد وتزكي ثروات المنتفعين من الوضعية الخاصة فيها. لكن، بعض الأعيان والمنتخبين، وضمنهم برلمانيون، يرفضون رفضا قاطعا هذا النظام الجديد الذي يقطع مع الريع الاقتصادي وينحو إلى أن يستفيد كل سكان الأقاليم الجنوبية بخيرات منطقتهم. الأسوأ من هذا الموقف، هو أن أطرافا من داخل الاتحاد العام لمقاولات المغرب بالأقاليم الجنوبية، ترفض الصيغة التي جاء بها المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي بشكل مطلق وتدعو إلى إقبارها والتخلي عنها.
     هؤلاء هم رجال الأعمال وأصحاب المقاولات الجشعين الذين يفضلون مصالحهم الشخصية والعائلية والفئوية على مصالح المغاربة والمصلحة الوطنية.
إذن، أين هى المقاولة المواطنة المفترى عليها؟


Comentarios