في أفق الدورة الجديدة لمهرجان أصيلة



يعد "موسم أصيلة الثقافي" أحد أعرق وأضخم المهرجانات المغربية والعربية، إذ ترتبط مدينة أصيلة، الواقعة على المحيط الأطلسي شمال غرب البلاد، بهذا المهرجان الذي يعود له الفضل، من وجهة نظر كثيرين، في ترسيخ سمعة واسم المدينة مغربياً وعربياً ودولياً. كما أن المهرجان ارتبط باسم مؤسسه الرجل عمدة المدينة الحالي ووزير الثقافة والخارجية المغربي السابق، الذي يؤكد في حواراته مع وسائل الإعلام دور المهرجان في خلق تنمية اقتصادية في المدينة. ويقول إن نشاط المهرجان "واكبته حركة اقتصادية وتجارية وعمرانية شهدتها المدينة خلال العقود الثلاثة الأخيرة".
التجاذب الذي تعرفه أصيلة حول مهرجانها له خلفية سياسية واضحة. فخصوم بن عيسى السياسيين بكل أطيافهم، اليسارية والإسلامية إضافة إلى المنظمات الحقوقية، تحالفوا في السنوات الأخيرة في محاولة لإنهاء سيطرته على بلدية المدينة، المستمرة منذ أكثر من ثلاثين عاماً. وهم يعتبرون استغلاله للثقافة وللمهرجان ولشبكته الإعلامية الواسعة بمثابة مطية لإحكام قبضته على المدينة وحرمانها من التداول السياسي. كما أن الاحتجاجات على المهرجان أججها اعتقال مستشار في "مجلس جماعة أصيلة" أحد أهم خصوم بن عيسى .
والواقع أن لا أحد في أصيلة وفي المغرب بأكمله يشكك في أهمية المهرجان ودوره في تكريس اسم المدينة وترويج الثقافة المغربية في الخارج عبر استقطاب واستضافة الأسماء الثقافية اللامعة من البلدان العربية والأجنبية. لكن الاعتراضات ما تلبث أن تتعالى مع الحديث عن التنمية من خلال الثقافة أو "الثقافة في خدمة التنمية"، وهو الشعار الذي دأب بن عيسى على تكراره.
الشاعر إدريس علوش، وهو أحد أبناء المدينة، يرى أن شعار "الثقافة في خدمة التنمية" فارغ المحتوى ولا يصلح سوى للتسويق الخارجي. "ولو جرى تفعيل هذا الشعار بطريقة عقلانية وشفافة"، كما يقول علوش في حديث لـ "العربي الجديد"، "لأفسح المجال لأصيلة لتكون مدينة للصناعات الثقافية، صناعة الكتاب مثلاً، أو التحف الأثرية، والآلات الموسيقية، وما إلى ذلك من الاستثمارات الثقافية. وهذا من شأنه استيعاب العدد الهائل من العاطلين في المدينة بمن فيهم خريجو الجامعات الحاصلين على الشهادات العليا. لكن الواقع أن بن عيسى، من موقعه كعمدة للمدينة، يرفض الترخيص للمشاريع الاستثمارية التي يرغب عدد من المغاربة والأجانب في إطلاقها في أصيلة. للأسف، لا حياة لمن تنادي!".
أما فيما يخص أفضال "أصيلة" على المدينة وإصرار بعضهم على أن المهرجان هو الذي كرّس المدينة وخلق هالتها محلياً وعربياً، فيرى علوش الأمور من منظور آخر: "المعادلة معكوسة، إذ أن المهرجان هو الذي يجني ثمار أصيلة بحكم جغرافيتها الجذابة كمدينة حالمة على تماس مباشر مع البحر وبحكم تقاليد سكان المدينة وحرصهم على جمالها ونظافتها".
ويبقى المأخذ الأساسي في خطاب المعارضين حول السياسة الثقافية المنتهجة في "أصيلة" هو أن الآية انقلبت بحيث صارت المدينة بأكملها في خدمة المهرجان وليس العكس. فموارد البلدية ومرافقها يجري تجنيدها بشكل استثنائي لخدمة المهرجان وضيوفه طيلة أيام مكوثهم بالمدينة مع تجاهل للفعاليات الثقافية الأخرى التي تشهدها المدينة في بقية أيام السنة حيث يرحل المدعوون وتخفت الأضواء وتعود أصيلة إلى فراغها الثقافي الذي يؤثثه انتظار الدورة اللاحقة للمهرجان.
الكاتب والباحث يحيى بن الوليد، وهو أيضاً من أبناء أصيلة، يرى أنه حان الأوان لطيّ صفحة مهرجان "أصيلة" بشكله الحالي، مؤكداً على الجذور التاريخية والدوافع الإيديولوجية للفعالية التي لم يعد لها مبرر الآن: "عندما قرر بن عيسى إقامة المهرجان في نهاية السبعينيات من القرن الماضي، كان ذلك على خلفية رغبة السلطات في خنق الجمعيات الثقافية ذات الميول اليسارية والتقدمية، ومنها جمعية "قدماء تلاميذ ثانوية الإمام الأصيلي" التي يعود تأسيسها إلى 1968. ولهذا الغرض بالذات أطلق بن عيسى عام 1978 "جمعية المحيط" التي أغدقت عليها السلطات أموالاً وفيرة وإمكانيات هائلة لإقامة المهرجان".
كما يؤكد يحيى ابن الوليد لـ "العربي الجديد" أن أصل المشاكل هو الخلط الصارخ بين "مؤسسة منتدى أصيلة"، الجهة المنظمة للمهرجان، وبين البلدية التي من المفترض أن تسخّر إمكانياتها ومرافقها لخدمة ساكني المدينة وتلبية احتياجاتهم الثقافية طيلة أيام السنة. ويقول في هذا الصدد: "المدينة تفتقر إلى مركب ثقافي وإلى مكتبة عمومية تعود ملكيتها إلى البلدية أو وزارة الثقافة، فيما تحولت جمعية "منتدى أصيلة" إلى مؤسسة عقارية ضخمة، هي التي تدّعي بأنها جمعية تُعنى بالشأن الثقافي، وهي صاحبة "مكتبة بندر بن سلطان" كما أنها تملك مساكن بدلية للتجمّعات العشوائية بتمويل خليجي، كما تملك "مركز الحسن الثاني للملتقيات الدولية" الذي تمنع  ولوجه فلك الجمعيات الثقافية الأخرى التي تدور في أجواء بن عيسى".
وكل المبدعين والفنانين والمثقفين بالمدينة، يرون بأن "أصيلة" منذ انطلاقة المهرجان "لم يسفر عن أي تقدم أو ازدهار للمدينة وسكانها واقتصادها. وكل الموارد توظَف لخدمة المهرجان. كما أن المدينة تظل تحت طائلة الإهمال لشهور وعندما يحين موعد المهرجان فقط يتم تنظيف الشوارع وتزيينها".
من هنا، أيضاً، يمكن استيعاب تشبث بن عيسى بالمهرجان، لأنه ببساطة كان البوابة التي عبر بفضلها إلى منصب وزير الثقافة ثم الخارجية في عهد الملك الراحل.
ربما يحتاج "موسم أصيلة الثقافي"، إلى سياسة ثقافية متوازنة ومنفتحة على كافة الجمعيات الثقافية الفاعلة في المدينة وإلى إبداع صيغة متجددة للفعل الثقافي في أصيلة. هو فعلٌ سيبقى لو حصل، في خدمة أصيلة وسكانها بعيداً عن المضاربات السياسية والحسابات الشخصية.

عن: العربي الجديد

Comentarios