الاقتصاد المغربي، إلى أين؟ بقلم: المختار الغربي


مباشرة بعد استقلال المغرب سنة 1956 اعتمدت الحكومات المتعاقبة، على استراتيجية للتنمية مبنية على مخططات اقتصادية سميت بالتصاميم، محددة على مراحل سنوية، حيث كانت هناك تصاميم ثلاثية وخماسية وغيرها، إشارة إلى عدد السنوات التي يستغرق التصميم لتنفيذها. وكان أهم تصميم وضع كانطلاقة للاقتصاد المغربي هو التصميم الخماسي 1960 – 1964، الذي تم التركيز فيه على الصناعة والفلاحة. لهذا الغرض تم إنشاء المجلس الأعلى للتصميم، عهد إليه الإشراف على النهوض بجميع القطاعات والرفع من مردوديتها. وبعدها تبنى المغرب التصاميم الثلاثية 1965-1967
فيما بعد قررت السلطات المغربية ابتداء من سنة 1973 إلى غاية 1988 تغيير الخطة الاقتصادية واعتماد برنامج استثماري يمول عن طريق مداخيل الفوسفات الذي كان يشكل أهم مورد معدني للمغرب. لكن، مع اختلاف الرؤية من حكومة إلى أخرى، بدأ نظام جديد في سياسة المخططات الاقتصادية، انصبت على وضع مخططات قطاعية محددة، كما وقع فيما يتعلق بالفلاحة، والصيد البحري. 
 لكن، كل تلك التغييرات في التعامل مع الشأن الاقتصادي كانت مجرد كليشيهات لم ينتج عنها إلا مزيد من التدهور على كل المستويات، لأنها ببساطة كانت تتأسس على الارتجال والمرحلية، مع تداخل المصالح الخاصة لبعض المسؤولين الذين كانت مصالحهم الشخصية وطموحهم المالي، كرجال أعمال، تتغلب على الروح الوطنية التي كان من المفروض أن تكون نبراسهم في مسؤولياتهم الرسمية. لهذا فشلت كل المخططات مع تراكم الأخطاء النابعة من الجشع، حيث تفشت مظاهر التصرف في المال العام وتبذيره وتهريبه، وما اكتنف هذا التوجه مما يسمى باقتصاد الريع، الذي لا مكانة فيه للمصالح الوطنية والشعبية..
في هذه الأجواء الموبوءة، لم يعد هناك ما يفصل بين عالم السياسة وعالم المال والأعمال، وما بين الشخصي والعمومي. كما لم تعد هناك مفاهيم مضبوطة لتدبير الشأن العام أو معرفة نوع الاقتصاد الذي يعتمد عليه المغرب، هل الصناعة أم الزراعة أم الصيد البحري أم السياحة؟ حتى أنه لم يعد مفهوما تحديد الخصائص الرئيسية لاقتصاد المغرب، كما هو معروف عند كل الدول. اقتصادنا، هل هو حر أم موجه، هل هو اشتراكي أم ليبرالي؟...وغيرها من الأسئلة التي ليس هناك أي أحد يمكن الإجابة عنها.
بكل المقاييس الاقتصادية، يمكن التأكيد على أن اقتصاد المغرب يعتمد على الخدمات، وهو اقتصاد للاستهلاك وليس للبناء، لهذا لا يتطور الاقتصاد ولا يتطور المجتمع، لأن الخدمات بنية تخلف وليس بنية إنتاج. فبعد مرور أقل من عشر سنوات على استقلال المغرب، أصبح قطاع الخدمات هو المهيمن على كل مفاصل الاقتصاد، فلم يعد المغرب لا بلد فلاحى ولا بلد صناعي، بل بلد خدمات، أي بلد متخلف، ما دامت الأمور كما هي عليه الآن بعد 60 سنة من الاستقلال.

تحدد إحدى الدراسات مفهوم التخلف كالتالي:
التخلف حالة عكسية للتطور. فليس المقصود من هذه الكلمة إلصاق تهمة ذاتية بالإنسان في العالم الثالث؛ فالمعطيات الطبيعية والبيولوجية متساوية في جميع الأجناس البشرية وإنما المقصود هو طبيعة الظروف التاريخية والاجتماعية والفكرية والاقتصادية التي تحيط بالإنسان ويعود ذلك إلى جمود البنى الاقتصادية والاجتماعية التي لم تعرف تغييرا وتطورا إيجابيا خلال مراحلها الماضية القريبة والبعيدة.
على هذا الأساس ففي الواقع المغربي نكتشف أن اقتصاده ينطبع بالتخلف على جميع المستويات. ودون أن نلتجئ إلى إيراد الأرقام العملية، فإننا نعلم أن المغرب يأتي في تصنيف متأخر من حيث مؤشرات التنمية البشرية. بالتالي، هذا يجعلنا نحكم في النهاية على أن الاقتصاد المغربي اقتصاد متخلف وغير متطور.


Comentarios