الاختيار الديمقراطي المفترى عليه بقلم: المختار الغربي


لنأخذ المثال من الأقرب:

في اسبانيا حينما تفرض نتائج الانتخابات البحث عن التحالفات، فان ذلك يتم:

أولا: على أساس البرامج وليس الأشخاص. تلتقي الأحزاب المتقاربة في برامجها وتبسط وجهات نظرها وتصل الى قواسم مشتركة بين تلك البرامج، وانتهى الأمر. لا غالب ولا مغلوب.

ثانيا: حينما تكون الأحزاب على موعد للبحث في التحالفات يكون ذلك علنيا ووفق برنامج محدد وفي مكان معين، وغالبا ما تكون مقرات الأحزاب هى نقطة الالتقاء. هكذا يقصد الصحافيون المكان للحصول على المعلومات في حينها (على عاينك يابن عدي) بدون غموض، فتكون لديهم الصورة واضحة يذيعونها وينشرونها في حينها. ويتفادى الجميع القيام بالتحالفات عبر الهواتف أو في أماكن مشبوهة كالفنادق والمطاعم والحانات والفيلات.

ثالثا: كل اللقاءات والتحالفات تتم على مستوى رؤساء الأحزاب المخولين للتباحث فيها بعيدا عن أى جهة للتأثير عليها وبعيدا عن التهديدات والشبهات وبعيدا عن أية مصالح للأشخاص أو العائلات أو مراكز القوى. كل ذلك يتم بشفافية وجهرا.

هذه ثلاثة من الأسس التي يتم عبرها التحالف. وكما ترون ليس من بينها ولا واحدة في علم سياسيينا الجهلاء والانتهازيين والفاسدين، الذين يهددون ويبيعون ويشترون ويخونون ثقة الناخبين ويقدمون الوعود بالمناصب والامتيازات والتدخل للتعتيم على ملفات في المحاكم ويتوصلون بالتعليمات من جهات مشبوهة ويتسترون على المحكوم عليهم أو لديهم قضايا في المحاكم أو متهمون بالفساد واللصوصية ويتدخلون لأبنائهم واخوانهم وزوجاتهم وعشيقاتهم. اضافة الى عرض الرشاوي بالملايين.

 بعد كل الاستحقاقات التي جاءت بعد مارس 2011  وقعت أمور غريبة وعجيبة حول الفائزين والمنهزمين والذين مع والذين ضد والتحالفات المشبوهة والنتائج المهزوزة.
منذ ظهور النتائج عرفنا وقرأنا وشاهدنا وسمعنا عدة نتائج بطرق مختلفة ومصطنعة ومشكوك فيها، كلها تتغير من يوم لآخر، سواء على صعيد البلاغات الرسمية أو التصريحات أو الأخبار أو التحليلات. فمرة تعطي النتائج الأغلبية لحزب ومرة لحزب آخر، ومرة يظهر ترتيب لأكبر عدد من الجماعات لهذا الحزب ومرة يتغير هذا الترتيب لحزب آخر.

كل هذه اللخبطة مقصودة بهدف التشويش على حق الناخب في معرفة مصير صوته والتلاعب بفهمه للحقائق كما برزت مباشرة بعد كل استحقاق. لم يعد هناك شك بأن جميع من لهم علاقة بالانتخابات تلاعبوا بكل تفاصيلها وذبحوا فيها الديمقراطية والشفافية والوضوح.

وفي كل مرة لم تبق هناك ذمة نقية وطاهرة، كلهم أصبحوا ملطخين ومتواطئين. وكلهم ربحوا وخسروا في نفس الوقت. لكن الخاسر الأكبر هو الوطن، هم المواطنون المغلوبين على أمرهم بدسائس ومؤامرات النخبة السياسية ومن يسر وسهل لهم أدوات اقتراف الجريمة.
 
 
استحقاقات وتواريخ مضت، وكان لها مستقبل ونهاية فصل وبداية آخر، موت مرحلة وميلاد أخرى. لكن الأسوأ هو القادم، الأخطر هو الآتي، الضربة المميتة فصلت بين الماضي والمستقبل، وليس هناك حاضر، الحاضر مجرد مخلوق مشوه وأعمى ومعوق ومشلول، ولن يفرز الا مستقبل أسود كالح وكسيح.

للأسف السياسيين المغاربة وقعوا شهادة الوفاة لذلك المستقبل ودفنوه بكل أمراضه وعلله وسيئاته ومساوئه. لم يعد هناك مستقبل. نحن الآن ننظر الجنازة والدفن، واذا طال الانتظار ستتعفن الجثة وتتحلل وستنشر رائحتها الكريهة على كل أرجاء هذا الوطن المنكوب.

أحداث ومواقف وبلاغات واتهامات وتصرفات وقرارات مجنونة.
كيف لمغرب أن يصبو الى ديمقراطية وهو لم يحسم بعد حتى في (اختراع الانتقال أو الاختيار الديمقراطي) الذي طال تنزيله والعمل به أكثر من اللازم.


Comentarios