CON ACENTO MARROQUI يقدم كتاب حفريات من زمن اليأس للمختار الغربي الجـــــــــــزء 51



للذين لم يتمكنوا من الاطلاع على الكتاب، ننشر تباعا المقالات التي يتضمنها كما صدرت في حينه وحسب تواريخ نشرها

الصهيونية والمسألة الثقافية
بعد استفحال ظاهرة التلاحم الكلي والتطرف الجامح بين الصهاينة والمسيحيين الغارقين في بحر الصهينة والعنصرية, انتعشت من جديد إحدى الظواهر المرعبة والأسطورية أرخت بظلالها الكثيفة على مجمل مناحي الحياة في جميع تجلياتها السياسية, الاقتصادية والثقافية, وأصبحت سيفا مسلولا على رقاب كل الفاعلين على مسرح السياسة الدولية للترغيب والتهديد وحتى القتل المادي والمعنوي, كما أصبحت تلك الظاهرة كالطاعون يخافه ويفر منه أولئك الفاعلون. ونعني بها تهمة (اللاسامية) التي أصبحت لعنة يتجنبها ويتودد إلى شاهريها الجميع من كبار الساسة والإعلاميين والمثقفين في العالم.
ولا نبالغ إذا قلنا أن هذه التهمة الملعونة تكون اليوم رأسمالا سياسيا وإعلاميا يتاجر به بعض السياسيين كما بعض الدول, إلى الحد الذي أصبح الجميع رهينة لدى يهود العالم وأذنابهم من زعماء الحكم والتطرف الديني المسيحي في الولايات المتحدة الأمريكية, حيث تبرمج كل التدخلات الدولية على أسس الولاء والخنوع لهم. كما أنه ليس من المبالغة القول أن جل دول العالم وساستها ومثقفيها وإعلامييها ومن ضمنها الدول الكبرى, أصبحوا عبيدا لدى الدولة العبرية. وإذا كنا جميعا نعلم الهيمنة على السياسة الدولية والإعلام من جانب هذه الدولة الشاذة وهذا العنصري الخبيث, فإننا غالبا ما لا نهتم بالجانب  الثقافي والاجتماعي والمتجذر عميقا في التاريخ أكثر من غيره, كما أن هذا الجانب لم تولى له العناية والاهتمام من جانب العاملين في هذين الحقلين, وهو الأخطر لاعتباره المعاش اليومي منذ عشرات السنين وإلى اليوم. ويعول عليه كثيرا من طرف سدنة الصهيونية الدولية وغلاة اليهود المتعصبين الذين يشنون حربهم القذرة على كل الجبهات وضمنها الجبهة الثقافية حتى قبل ظهور بروتوكولات حكماء صهيون, وهذا ما سنوضحه ونذكر به في هذه المقالة حول علاقة اليهود بهذا الجانب ومعاركهم الخفية والمعلنة, لفرض إيديولوجيتهم الصهيونية العنصرية.
فقد أكدت الأبحاث حول التراث الثقافي لشاعر انجلترا الكبير ويليام شكسبير أنه كان من الأوائل الذين تعرضوا بشراسة لحقدهم وخبثهم, وقد تجسد ذلك في إحدى روائعه المسرحية المعروفة والمشهورة, وهي مسرحية (تاجر البندقية), وبسببها يضمرون الكثير من الكراهية لهذا الشاعر الكبير, لأنه جسد فيها كل مخازيهم وأطماعهم وأغراضهم الدنيئة حتى أن اليهود الصهاينة, ومنذ النصف الثاني من القرن الماضي, شنوا حربا خفية ضد شكسبير في محاولة للوقوف في وجه أي بادرة لإخراج هذه المسرحية سواء على مسارح أوربا أو أمريكا. وحتى المسارح التقليدية في لندن لم تقدم مسرحية (تاجر البندقية) منذ حوالي 50 سنة. مع الإشارة إلى أن كل المهتمين يعدونها من أعظم المسرحيات التي أنتجتها عبقرية شكسبير, ومع ذلك نجح الصهاينة كعادتهم في دفنها حية, بل وصل الأمر إلى عدم تدريسها لطلبة كليه الآداب في جامعات أوربا وأمريكا ضمن أعمال شكسبير. وقد صرح أحد الأساتذة المختصين بأن الكل يخشى التركيز أو مجرد الإشارة إلى هذه الكوميديا مخافة أن تلصق بهم تهمة معاداة السامية, وبالتالي الطرد من الجامعة هو أقل عقاب يمكن أن يلحقهم.
لماذا إذن هذا الحقد الذي يكنه الصهاينة لشكسبير؟ الجواب هو هذه المسرحية, مسرحية (تاجر البندقية), حيث أن بطلها (شيلوك) الذي يجسد الشخصية الصهيونية على حقيقتها الزاخرة بالخسة والدناءة والخبث والكراهية والشراسة والعنف وكل الصفات المعادية للإنسانية.
المطلعون على شخصية شكسبير يقولون بأن المسرحية لم تكن افتراء, بل كانت صدى دراميا مجسدا للجو الاجتماعي والسياسي الذي عاشه شكسبير, ولذلك قصة
فقد التجأ إلى انجلترا عام 1559 ميلادية طبيب يهودي برتغالي يدعى (رودريكو لوبيز)          وقام بفتح عيادة صغيرة في لندن. وقد بلغت شهرة الطبيب لويز لوبيز أفاق انجلترا, مما أغرى الملكة إليزابيت الأولى بتعيينه طبيبا خاصا بها. ولكن لوبيز لم يكن مجرد طبيب, بل كان طليعة طابور خامس من الجواسيس الذين يتجسسون على إنجلترا لحساب اسبانيا وبذلك كان يحصل على دخل كبير أيضا من عمله كجاسوس لها. ولكن «إيرل أوسكس» الذي كان أقرب الرجال البلاطة إلى الملكة اليزابيت استطاع أن يكشف خيانته عندما عثر على بعض الخطابات المتبادلة سرا والتي تقدم الدليل الذي لا يقبل الشك في أن الطبيب لوييز كان يتقبل الرشاوى من ملك إسبانيا لكي يدس السم في الدواء الذي يقدمه للملكة.
وبالفعل, قبض على لوبيز وحوكم, وثبتت إدانته مع بقية أفراد الطابور الخامس المتعاونين معه في المحكمة العلنية التي عقدت في محكمة «جيلد هول» وقد تم تنفيذ حكم الإعدام فيه فوق المقصلة في الخامس من يوليو عام 1594 ميلادية, أي بعد قضاء حوالي 35 سنة في انجلترا. وبدلا من أن يتعاطف معه الجمهور, فقد انطلقت الضحكات هنا وهناك عندما أكد الطبيب حبه للمسيح أيضا, وكان شكسبير من ضمن المشاهدين لمشهد الإعدام.
وبعد :
إن الصهيونية العالمية تتغذى وتتقوى من ضعف مواقفنا وإهمالنا واستهانتنا وتحاصرنا على كل الجبهات وتؤلب علينا كل الجهات, وفي جل الأحيان بمجرد رفع شعارات فارغة وليس لها وجود في الواقع, ولكنها تكيفها لتنسجم مع البيئة التي تزرعها فيها وترعاها وتحتضنها حتى تصير من المقدسات أو كنار تحرق من يقترب إليها ويفر منها الكبار قبل الصغار. وليس هناك في المنظور المتوسط أو البعيد ما يبشر انتفاء هذه الحالة المزرية التي نعيشها تحت ضغط النخبة التي ترهبنا وتقمعنا لخدمة مصلحة أسيادها وأعدائنا.
طنجة 1\5\2004


Comentarios