وجوه مضيئة من بلادي المهدي بنونـــة بقلم: المختـــار الغربـــي


في مثل الشهر من سنة 2010، الثلاثاء 23 مارس، وعن سن 92 سنة،
رحل إلى دار البقاء الأستاذ المهدي بنونة، واحد من أبناء الحاج عبدالسلام بنونة، أحد مؤسسي الحركة الوطنية بشمال المغرب.
من رواد الإعلام الوطني في المغرب والعالم العربي، في عهد الحماية وبعد الاستقلال. لقد ساهم المهدي بنونة فى تطوير وتحديث الإعلام، وكانت له الريادة في إنشاء وكالة المغرب العربي للأنباء، كقطاع خصوصي، حيث استمر رئيسا لها الى غاية سنة 1974. إضافة إلى مساهماته وإسهامه في الحركة الوطنية بالمغرب وخارجه، وأيضا في المجال الاجتماعي والمناصب العليا التي تقلدها بكفاءة عالية.
ويعتبر الراحل بنونة الذي ازداد بتطوان في 22 فبراير 1918، من الرواد الأوائل الذين ساهموا بقسط وافر من جهدهم في التأسيس للإعلام المغربي.
ووفقا لمسار حياته، فإنه وبعد دراسته الجامعية التي تلقاها في نابلس بفلسطين، بدأت علاقة الفقيد بنونة بالصحافة في القاهرة سنة 1937، وهناك استطاع بدأبه واجتهاده، وعشقه لمهنة المتاعب، أن ينال دبلوم الصحافة، بعد أن تلقى تكوينا ميدانيا، توج بحصوله على دبلوم الصحافة سنة 1941، ما فتح الباب في وجهه للالتحاق بيومية الأهرام التي ظل فيها إلى غاية عام 1944
ولم يكن المهدي بنونة رجل إعلام فقط، بل كان أيضا رجل دبلوماسية وتربية وتعليم وفكر، ورجل نضال وطني حقوقي ونقابي، ويتجلى ذلك بالخصوص في مساهمته في القاهرة في تأسيس لجنة الدفاع عن المغرب الأقصى، وفي ممارسته للتعليم بمدينة تطوان، مسقط رأسه، وفي إنشاء نقابة العمال التابعة لحزب الإصلاح الوطني ، وفي تأليفه لكتاب باللغة الإنجليزية بعنوان "مغربنا، القصة الحقيقية لقضية عادلة" سنة 1951، حين كان بلده يرزح تحت نير الاستعمار الفرنسي.
كما أسس بالأمم المتحدة، التي اشتغل فيها فترة من عمره، مكتب الربط بين الحركات الاستقلالية لبلدان شمال إفريقيا ( المغرب والجزائر وتونس).
وكان زلزال أكادير الذي وقع سنة 1960 بمثابة انعطاف أساسي في حياته، إذ اتجه نحو العمل الإنساني من خلال انخراطه في منظمة الهلال الأحمر المغربي، قبل أن يصبح رئيسها، وهو المنصب الذي قاده لتولى منصب الخازن العام للمجلس التنفيذي للاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر.
ورغم إصداره وتأسيسه وتسييره لعدة صحف مغربية ، مثل " الأمة" و"لاديبيش" بالفرنسية، فإن إنشاءه لوكالة الأنباء المغربية، كشركة أهلية مساهمة، تحت اسم " وكالة المغرب العربي للأنباء" سنة 1959، ظل هو الإنجاز المهني الأكبر والأكثر التصاقا بمسيرته الإعلامية.
وبعدها ساهم في تأسيس وكالات الأنباء في تونس وليبيا والجزائر والسنغال ومالي، وكذا وكالة أنباء منظمة المؤتمر الإسلامي، إيمانا منه بأهمية دعم كل المبادرات الإعلامية في أفريقيا والمغرب العربي والعالم الإسلامي.
ولم يكن بنونة يتوقع أبدا أن هذا الصرح الإعلامي الشامخ، المتمثل في وكالة أنباء المغرب العربي، الذي بناه بصبره ودأبه وإصراره، سوف يضيع منه ذات يوم، وهو ما حصل فعلا، بعد تأميم الوكالة من طرف الدولة،سنة 1973، ويقول بعض المقربين منه إن ذلك ترك في نفسه نوعا من التأثر العميق.
ونسب إليه قوله إنه اعتبر التأميم "استيلاء بعد 15 سنة من العمل الحر المستقل في ميدان استحدثته بعد دراسة طويلة ومتأنية، وقمت بتكوين الأطر التقنية والصحفية التي لم تكن متوفرة في المغرب وأردت أن أجعل منها وكالة تغطي احتياجات أقطار المغرب العربي"، وفقا لما جاء في معرض تقديمه لكتاب "الإعلام العمومي في المغرب وعولمة الاتصال.. وكالة المغرب العربي للأنباء نموذجا"،التي الفته الزميلة الإعلامية فاطمة رفوق،التي ذكرت أن الوكالة انتزعت من صاحبها كرها مقابل 600 ألف درهم.
على المستوى الفكري، ألف الراحل العديد من الكتب، كان أولها باللغة الانجليزية تحت عنوان "مغربنا، القصة الحقيقية لقضية عادلة"، وقد تم إصداره سريا في المغرب سنة 1951، وختم سلسلة مؤلفاته بكتاب "المغرب، السنوات الحرجة" الذي صدر سنة 1989
وتقديرا لعمله في مجال الصحافة وحقوق الإنسان، تم توشيح الراحل المهدي بنونة في العديد من البلدان الإفريقية والشرق أوسطية وإسبانيا والمغرب، كما كان مستشارا للملك الراحل محمد الخامس عام 1958، مكلفا بالصحافة والعلاقات العامة.

Comentarios