اختلالات التحولات الاجتماعية في المغرب بقلم: المختـــار الغربـــي


يقع التأشير من طرف علماء الاجتماع والاقتصاد على كون الطبقة المتوسطة هى العمود الفقري لبناء أى مجتمع خال من الانتفاضات الاجتماعية. وهناك شبه تأكيد واجماع على أن هذا البناء يعتمد على كون هذه الطبقة تستفيد وتبرز وتتعزز بواسطة وتيرة تنموية معينة تنحو دائما الى التصاعد بمعدلات ضعيفة.
المهم أن لا تكون جامدة ولا تتقهقر الى الخلف.

شهد المجتمع المغربي منذ الاستقلال تحولات عميقة، بدأت بمرحلة مقبولة ومشجعة من النمو ساهمت في الاستقرار وبناء مجتمع متوازن، رغم أنها لم تكن متوازية مع التحولات السياسية التي لم تكن على نفس المستوى من الاستقرار. الا أن عدة عوامل ساهمت في بناء طبقة متوسطة كان لها دور حاسم في الاعتبارات السالفة الذكر. حصل ذلك في وقت لم يكن للدولة أطر كثيرة وعالية التدريب والتكوين.

مع بداية الثمانينيات جاء دور السياسة لتخريب كل الآمال التي كانت معلقة على الطبقة المتوسطة للاستمرار في قيادة متوازنة داخل المجتمع، بالأخص عند ظهور عدة مؤشرات تنموية يمكن للمغاربة الاستفادة منها في توزيع الثروات. الا أن هذا الأمر تحول الى سلعة في سوق السياسة استعمل ثمار النمو والنشاط الاقتصادي المتصاعد لخدمة أهداف النظام السياسي وشراء ذمم السياسيين ورجال الأعمال للانخراط في لعبة سياسية كانت السبب في بداية انهيار واندحار الطبقة المتوسطة وبروز طبقة جديدة من أثرياء السياسة والاقتصاد، وبالتالي تراجع تلك الطبقة الى صفوف الفقراء والمحرومين.

هكذا استأثر السياسيون ورجال الأعمال بالثروات الوطنية بأساليب مختلفة خلقها النظام السياسي بعيدا عن كل آمال المغاربة في التطلع لحياة جديدة ومتطورة في جميع الميادين، ومع هذه الاختلالات رهنت الحكومات المتعاقبة مصير المغرب والمغاربة بالتوجه نحو القروض الدولية التي لم تكن جلها في خدمة التنمية، بل كانت نسب عالية منها يتم اقتطاعها واستعمالها لتغطية أخطاء السياسيين في تدبيرهم للشأن العام. مما أدى الى بروز بؤر للتوتر الاجتماعي ومعها الاحتجاجات والانتفاضات الشعبية.

النتيجة كانت كارثية مما نشاهده اليوم من مظاهر التردي والانهيار الاجتماعي والاقتصادي والمالي، مقارنة مع المراحل الأولى للاستقلال، حيث أن ما يصل الى المغاربة اليوم أقل بكثير مما كان لديهم في الستينيات، مع اعتبار عدة معطيات وفوارق بين الأمس واليوم، رغم بعض مظاهر النمو الخادعة التي يتم ترويجها.

المديرة العامة لصندوق النقد الدولي، صدمت أقطاب الدولة ونخبها الذين يقبضون على مفاصلها، حينما صرحت في المجلس الاقتصادي والاجتماعي بكلام صادم شرحت (من التشريح وليس الشرح) عمق الأزمة الاجتماعية في المغرب، هذه الأزمة التي يرفض هؤلاء الأقطاب الاعتراف بها.

المديرة قالت بأن المغرب يشهد تقلصا في طبقته المتوسطة بسبب عدم استفادة الجميع من ثمار النمو، وأشهرت تحذيرا خطيرا بأن ذلك يهدد الاستقرار ويؤدي الى الانتفاضات الشعبية.
هذا يعني بأنه ليست هناك مخططات مدروسة وحقيقية لحماية الطبقة المتوسطة ولا ارادة سياسية لإنعاشها.


هذا الخلل البنيوي في الهيكل الاجتماعي والاقتصادي يعود لعدة اعتبارات، تمت الاشارة الى أهمها اضافة لسياسة التحكم والمصالح الفئوية الضيقة والطمع في المكاسب السياسية المؤدية الى مكاسب اقتصادية ومالية، أصبح المغاربة اليوم يعرفون كل تفاصيلها عبر غول البطالة وتصاعد مؤشرات الغلاء والأجور المتدنية وأزمات التعليم المتتالية ومظاهر الظلم وألاعيب السياسيين واستغلال النفوذ والسلطة وغياب الحقوق وتجميد تفعيل قوانين محاربة الفساد والاستبداد.

هذه المظاهر وغيرها، لا يمكن بأى حال من الأحوال أن تساعد في بناء مجتمع عادل وديمقراطي وذو حكامة جيدة، بل لا يمكنها المساهمة في بناء دولة سليمة ومعافية البنيان والمقومات. لهذا تختار الأجهزة المعنية أسوأ الحلول وأسهلها لمواجهة تطور المجتمع، لأن هذا التطور هو عنوان للوعى والمشاركة في تسيير الشأن العام. وهذا ما لا ترغب فيه تلك الأجهزة اعتقادا من حراس هياكلها بأنه سيسحب من أيديها سلطة التحكم والسيطرة على المؤسسات، حيث يتم التلاعب بها والتصرف في أعمالها.


Comentarios