العمل النقابي في مجال الإعلام بقلم: المختار الغربي



لا يمكن الحديث عن العمل النقابي في مجال الاعلام في المغرب دون الاشارة الى النقابة الوطنية للصحافة المغربية، اعتبارا لدورها ولمهامها ولأقدميتها. لقد كان ولا زال لدى خلاف واختلاف مع بعض الزملاء حول ربط أى دور لأى مؤسسة مع مسيريها، وهو أمر منطقي وعقلاني حسب وجهة نظري الشخصية، لأن المؤسسات لا تدار بمعزل عن المدبرين لشؤونها، وهذا أمر ينطبق على النقابة الوطنية للصحافة المغربية كمؤسسة، اضافة الى دورها الحيوي في حماية المنتسبين اليها والدفاع عنهم وتيسير أمورهم، وهى مهام ملازمة لدور في حماية أخلاقيات المهنة وشرفها. لهذا فانه من المفترض أن يكون الأشخاص الذين يتحملون مسؤولية تنزيل تلك المبادئ على أرض الواقع متميزون بالعفة والنزاهة والكفاءة والتجرد وحتى التضحية اذا لزم الأمر، اضافة الى الاتكاء على المشروعية الأخلاقية والقانونية.
مفهوم العمل النقابي تغير كثيرا خلال العشرين سنة الماضية مع تغير طبيعة العمل الاعلامي نفسه وما رافقه من مستجدات تتسارع يوما بعد يوم وتتداخل عملياته مع عدة اعتبارات أخرى بحكم الهواجس السياسية والاقتصادية والقانونية.  لكن ما نعيشه اليوم في المغرب أثر بشكل سلبي على العمل النقابي في مجال الاعلام، فبدلا من أن نواجه سلبيات تلك الهواجس أصبحت النقابة طرفا فيها، ليس بالمفهوم المهني والنقابي للمواجهة حفاظا على الاستقلالية وتضامنا مع المهنيين ودعما لهم، بل باستغلال السياسة للعمل النقابي وخدمة هذا النقابي للسياسة أو لنقل بصريح العبارة بأن النقابة الوطنية أصبحت رقما في أجندة بعض الجهات الحزبية حيث يشتغل النقابي الاعلامي لدى أو مع السياسي الحزبي، هذا يقع الآن ونعيشه منذ أكثر من عشر سنوات، ومن ينكر هذه الحقيقة فانه اما يكذب لدفع التهمة أو أنه لا يعرف أين يضع رأسه ويديه ورجليه. فقط راجعوا مواقف النقابة ومسؤوليها خلال تلك المدة وستتضح لكم الصورة في أبشع مشاهدها، ومعها ضاع الكثير من نبل العمل النقابي وضاعت معها مصداقية النقابة.
اليوم، اضافة الى النقابة الوطنية للصحافة المغربية، هناك على الأقل عشر جمعيات تمثل شريحة من المهنيين، أو لنقل مجموعة محسوبة على الصحافة، المكتوبة والرقمية بوجه خاص. ليس لها صفة العمل النقابي، لكن تم تأسيسها لمواجهة الفراغ الذي تعيشه أو تسببت فيه النقابة الوطنية للصحافة المغربية ومواقف مسؤوليها وتبعات الوسائل غير الشريفة وغير المشروعة في تنظيم جموعها العامة وما تفرزه من مكاتب مخدومة ومغشوشة وخادعة، اضافة الى التهافت والجرى وراء مصالح شخصية، وفي بعض الحالات فئوية.
العمل النقابي كان يفرض، اما أن تحتضن النقابة الوطنية انشغالات الصحافيين المهنيين وحتى غيرهم من الذين ننعتهم بالمنتسبين وتهتم بأحوالهم ومطالبهم، أو شرعنة تلك الجمعيات على أسس قانونية مضبوطة لإثراء وتنوع الرؤى ووجهات النظر في الشأن الاعلامي بصفة عامة. لكن ما يحصل الآن هو الهيمنة والاقصاء بهدف التغطية خدمة لأجندة خاصة وشخصية وفي بعض الحالات سياسية.
في اسبانيا هناك فدرالية وطنية للصحافة تضم أكثر من 40 جمعية من كافة الأقاليم والمقاطعات، كلهم يعيشون تحت سقف واحد متجانسين ومتساكنين تجمعهم القوانين الصارمة التي وضعوها هم بأنفسهم وبالإجماع ولا أحد يفكر في خرقها أو استغلالها، حتى أنهم مؤخرا أصدروا تصريحا الزاميا، تم ضمه لميثاق شرف المهنة وأخلاقياتها، بالابتعاد عن السياسيين ومناوراتهم والأحزاب ومؤامراتها. ولم يثبت على مدى عقود أن فرطوا في شرف العمل النقابي.

لقد مررت بتجربة سيئة ومأساوية مع النقابة ورموزها، لا زالت تداعياتها تعيش معي نفسانيا وماديا، لن أعود لتفاصيلها المؤلمة والمؤسفة، لكني فقط أشير اليها للدلالة على أن المواقف الشخصية وروح الخذلان وتدني الشعور الانساني وعدم الوفاء للمبادئ الشريفة في العمل النقابي يمكنها أن تتسبب في المآسي مثلها مثل الاختيارات السياسية والاقتصادية المنحرفة.
 ان العمل النقابي، في الصحافة بالخصوص، اذا لم يتأسس على العفة والنزاهة الفكرية وروح النضال المثمر والكفاءة والبعد عن الشبهات لن يكون عملا نقابيا، بل سيكون أداة ومعولا للهدم والتخريب والتسيب والفوضى والظلم والاستبداد، وهذا ما يحصل اليوم في المغرب وسط مشهد نقابي اعلامي منهار.

 
                                                              

Comentarios