هل لجهة طنجة تطوان والمغرب بصفة عامة الاعلام الذي نستحق؟ بقلم: المختار الغربي



منذ سنتين نظمت ندوة بمدينة طنجة ندوة اختار لها المنظمون عنوان "هل لجهة طنجة تطوان الاعلام الذي نستحق؟". انه عنوان كبير ومنسوج برؤية حالمة وسريالية، ببساطة لأن الجهة التي أشرفت على تنظيم اللقاء تعرف بالتأكيد بأنه ليس لهذه الجهة الاعلام الذي تستحقه، لكنها خاطرت برمى هذه الجمرة في وجه الصحافيين لأنها لن تخسر شيئا ولا علاقة لها بموضوع الاصلاح اذا ما تم الاعتراف بهذه الحقيقة المروعة.
ما دار في ذلك اللقاء كانت تحصيل حاصل ولم يكن من الممكن أن تكون المداخلات خلافا لما تمت بالفعل. القضية برمتها تتعلق بكون المسألة يمكن وضعها في اتجاه آخر، وهو: هل هناك في جهة طنجة تطوان بالفعل صحافة وصحافيون؟ وهو السؤال المفضي مباشرة الى الجواب المنطقي الذي يتضمنه عنوان اللقاء نفسه.
لكى تكون لنا صحافة في مستوى الجهة يجب أن يكون لنا صحافيون، وهذه المعادلة بالذات هى التي يفر من مواجهتها الجميع، لذلك تصورت بان اللقاء كان مجرد استعراض عضلات لبعض المحسوبين على الصحافة.
لنلق نظرة على الموضوع بموضوعية وتجرد.
أتحدى 90 في المائة، وهى نسبة متفائلة جدا، من المواقع والجرائد أن تكون تتوفر على شروط الاصدار المهني، ورقيا ورقميا، المقر، التمويل، الطاقم المهني، الرواتب القانونية، التعويضات، الامكانيات اللوجيستيكية وغيرها، وكلها تعطينا جريدة حقيقية. لكن، قبل ذلك، وبأهمية أكثر، هل لنا صحافيين مهنيين حقيقيين يستطيعون بتكوينهم وتجربتهم وخبرتهم ومعارفهم في مستوى اصدار جريدة اعلامية، ورقية أو رقمية، تتوفر فيها مقومات جريدة مهنية.
في مدينة طنجة هناك أكثر من 15 اصدار ورقي أسبوعي وأكثر من عشرة مواقع رقمية، لا أحد منها جميعا يراهن على التحقيق والحوار والرأى. وكل مضامينها تفوح منها روائح مشبوهة، دون ذكر من هم المتعاونين معها وما هى مهامهم وأشغالهم في الحياة أو وظائفهم أو مصالحهم التجارية. ناهيكم عن الطريقة التي يتم بها تهييئ واصدار الجريدة، ورقية كانت أو رقمية، ولا أريد شرح هذه القضية، لأنها لعبة حقيقية وقد يستغرب الكثيرون من الظروف التي يتم فيها كتابة مواد الاصدار وطريقة التعامل الانتهازي مع بعض اللقاءات والعلاقات وتسويق المصالح والوجوه ووجهات النظر وتلميع الواجهات. انه أمر مخجل جدا لا يليق بأى شخص يحترم نفسه القيام بتلك المهام والأدوار.
فكيف ستكون للجهة صحافة أو اعلام في مستوى تحدياتها؟
لهذا فان مثل هذه الندوات واللقاءات هى مجرد فرجة واستعراض العضلات. لكني أعترف أن عنوان اللقاء مثير ومهم وهذا هو وقته بامتياز وكان من الممكن أن يكون مثمرا اذا لم تكن حالة الاعلام في الجهة على ما هى عليها الآن..

الإعلام المحلي، مع الأسف، كان سببا وعاملا مؤثرا في تفشي الفساد وطغيان أباطرته، وضمن عناصره أشخاص متمرسون وآخرون طارئون ومتطفلون، بعضهم يتلقى التعليمات والتوجيهات والإكراميات والحظوة. منهم من باع ضميره ونفسه وكرامته لأسياده بصمتهم عن الفساد والفواحش، وانبطاح البعض أمام المصالح الشخصية ومرافقة حاضني البهرجة والنفاق والانتهازية.

الفضاء الإعلامي في طنجة موبوء، في حاجة إلي خلخلة وحلحلة ليصبح إعلاما مسئولا، نظيفا وديمقراطيا. علي العاملين في هذا الميدان أن يتحلوا بالعفة وكرامة النفس وعزتها، والتواضع، كما يجب حصرهم وتحديد هويتهم وضبط انتسابهم لتنطبق علي من تتوفر فيهم المقاييس والمعايير المهنية، صفة الصحافة والإعلام.

كل هذه الشروط والضوابط يجب أن تناط بجهاز يكون ممثلوه مثالا، أيضا، للتواضع، العفة ، النزاهة، الديمقراطية والاستقلالية.

ثم، لا يخافون في قول الحق والدفاع عن العدل لومة لائم أو سيد.

وفي تلك الفترة بالذات كنا قد أصدرنا جريدة ورقية باللغتين العربية والاسبانية بتمويل ذاتي من بعض الغيورين على الصحافة الجادة والمهنية بصفة عامة، والمساهمة في ترشيد العلاقات بين الشعبين المغربي والاسباني بصفة خاصة. الجريد لم يتعدى رقم اصدارها أكثر من خمسة أعداد على فترات زمنية متباعدة، في وقت كنا نراهن فيه أن تكون أسبوعية، أو على أسوأ تقدير نصف شهرية. أصدرنا الجريدة بمواصفات مهنية عالية وبرؤية حالمة للتأسيس لصحافة راقية ومتطورة بمشاركة أسماء لها مكانتها في الصحافة الوطنية والدولية كالزميل الكاتب والصحافي سعيد الجديدي.

لم نستطيع الاستمرار بالنظر للتكاليف ولغياب الدعم والاهتمام بالمبادرة. لم تقدر أية جهة قيمة المشروع وما يمكن أن يقدمه من خدمات سواء للمغرب وقضاياه الحيوية أو لإسبانيا التي تتبجح أجهزتها الدبلوماسية والثقافية حول كثافة تواجدها بالمغرب عن طريق معهد سرفانطيس، خصوصا وقد أوضحنا في افتتاحية العدد الأول استقلاليتنا وهدفنا في خدمة القضايا النبيلة بموضوعية وتجرد.
سواء هنا أو هناك، البلدين معا يشتغلان في هذا الاتجاه بمنطق معوق وتصورات متخلفة، خصوصا بالنسبة للمغرب، حيث وزارتيه في الخارجية والثقافة، وحتى في الاعلام لديهم نظرة قاصرة حول توظيف الاعلام الرزين، مع العلم أن هناك منابر وجمعيات ومؤسسات وأشخاص، بصفة خاصة المنتسبين للتوجه الفرنكفوني، يلهفون الملايير بطريقة انتهازية ومصلحية وفوضوية لا تقدم ولا تؤخر في أى مجال الا بقدر ما يستفيدون منه من تمويلات وعلاقات مشبوهة، وفي بعض الأحيان تعطي نتائج عكسية ومضرة.
الشأن الثقافي، التربوي واللغوي والاعلامي عنصر أساسي في العلاقات بين البلدين، تصرف اسبانيا من أجله مبالغ مالية مهمة وحشدا كبيرا من الأطر المختصة في تلك المجالات. لكن، في المقابل لا يقوم المغرب بأى مجهود لتسويق المغرب ثقافيا، لغويا وتربويا واعلاميا، بحيث تفتقر السياسة الرسمية والبعثات الدبلوماسية، السفارات والقنصليات المغربية في اسبانيا لأية استراتيجية في هذا المجال ولا تبدع أية مبادرات لإنشاء مراكز ثقافية مغربية وتعليمية فوق التراب الاسباني.  
نفس هذا الاهمال ينسحب على الجانب الاعلامي والتواصلي مع الجانب الاسباني على كافة المستويات، مما يخلق للمغرب مواجهات مع الاعلام الاسباني، وبالتالي نتعرض لكل أنواع التبخيس والمغالطات والأكاذيب والإهانات واختلاق المواقف التي تهزمنا شر هزيمة وتشوه الآراء اتجاه قضايانا الحيوية.
لقد انتقلنا في هذه المقالة من الجهوي الى الوطني اعتبارا لترابطهما واعتبارا لما كنا نتصوره في اصدارنا لجريد ورقية بالعربية والاسبانية، فحينما عزمنا على تأسيس هذه الجريدة، أشار علينا أغلب الزملاء الذين فاتحناهم في الموضوع بالتريث قليلا، قبل الإقدام على هذه الخطوة التي، في نظرهم، تحفها العديد من الإكراهات والتحديات.. أبرزها على الإطلاق، ظهور الصحافة الإلكترونية، التي دفعت بمستوى الخبر إلى خارج حدوده الجغرافية، وجعلت من الدور التقليدي للصحافة الورقية دورا مهددا بالتجاوز والتخطي. ناهيك عن المصاريف المادية الكبيرة التي أصبحت تكلفها عملية إصدار جريدة ورقية بالمقارنة مع نظيرتها الإلكترونية.. وهي كلها عوامل كانت كافية لأن تجعل من مجرد التفكير في خطوة من هذا القبيل هي مخاطرة بعينها..
لقد دخلنا هذه التجربة إذن، ونحن على وعي تام بهذه التحديات، وأن مزيدا من القراء "يفرون" كل يوم إلى الإنترنيت لمعرفة الأخبار، في مقابل انخفاض قراء الصحف المطبوعة والورقية.
وكنا قد اخترنا في مشروعنا الحديث بلغتين: العربية والإسبانية. وهو تقليد يستجيب من ناحية  لواقع التعدد اللغوي الذي يميز مدن الشمال عامة، وكذا للأهمية الكبيرة التي أصبحت تحظى بها اللغة الإسبانية كلغة للتخاطب في المغرب، كما في العالم أجمع. ومن ناحية أخرى جاء كحل مؤقت للإكراهات المادية التي لا تسمح بإصدار مستقل بلسان كل لغة.

أما الإضافة النوعية التي كنا نراهن عليها ونضيفها إلى المشهد الصحفي بالجهة فهي التعاون على ترسيخ تقليد صحفي يتعامل مع الأحداث باحترافية مطلوبة، تبتعد عن أي معالجة قد تسيء إلى شرف المهنة. فالجريدة لم تكن تبحث لأن تجعل من نفسها بديلا للأصوات الموجودة.. وإنما كانت تطمح لأن تكون صوتا متميزا يقدم أكثر من قراءة ممكنة للمعلومة الواحدة.

Comentarios