الى كل متصاحف من المتطفلين على الثقافة والصحافة بقلم: المختار الغربي


في اطار حملته الانتخابية، نشر مرشح بمدينة طنجة، تدوينة علقت عليها مستحضرا أدب الحوار وأخلاقياته، وهو نفسه استحسنها ومر الأمر في احترام تام لأخلاقيات مهنة الصحافة، اعتبارا لكون تعليقي كان بهذه الصفة. لكن أحد المحسوبين على الصحافة، أو هذا ادعائه، ويعتبر نفسه منتميا لمدينة طنجة ومستقرا بمدينة الرباط، هذا المتصاحف قفز ببهلوانية غير محسوبة على التدوينة وعلى تعليقات الآخرين حولها ليقصدني مباشرة موجها لى الشتائم والتهديدات ودعاني، بحسب لغته الساقطة الى (سير عدلك شي براكة باش تعسس على السيارات أو سير لجامع تعبد الله أو غادي نخوي عليك لمزيودة). هذا الشخص يضع في صفحته كشعار صور لشرطي يلعب الكاراطي، كما أن صفحته مليئة بالترهات والتفاهات ولا يبدو عليه أى أثر للثقافة والصحافة أو انتمائه لأى منهما.
لهذا المدعي السخيف ولأمثاله، من الذين يشوهون أنبل ما في الثقافة والصحافة، وردا على سوقيته وأمراضه العقلية والنفسانية، أوجه هذا الدرس المجاني:
يعتقد بعض المبتدئين والمغرورين أو من من يعتقدون أنهم وصلوا مرحلة من المهنية في الصحافة، يعتقدون أن أساتذتهم ومعلميهم والأكثر منهم خبرة ومهنية، بأنهم ينتهون مع بلوغهم سنا تفوق الخمسين سنة.
على هؤلاء أن يفهموا ويستوعبوا ويتعلموا أن تلك المرحلة من العمر تحسب لأصحابها وليس عليهم، لأنهم بعدها بالضبط يبدؤون في تقديم أحسن ما يتوفرون عليه من الخبرة والمهنية وبما تراكم لديهم من التجارب، بالأخص المحبطة منها، مما يؤهلهم ليكونوا القدوة والمثال في مجال معرفتهم، بالأخص ما يتعلق بالفضائل والمحاسن، وهى المزايا الأكثر مطلبا في مهنة يسهل اختراقها واستغلالها للدسيسة والانتهازية.
 ممارسة الصحافة تعنى بكل بساطة الحكى، وليس أي واحد يمكن أن يحكى، بمعنى أن يقول ما لديه وما يعلمه وما يسمعه. البساطة في البحث عن الأخبار، التأكيد على أنها حقيقية وغير ملفقة أو مدسوسة، البساطة في فهمها وتحليلها وتلقينها وتقديمها للقارئ بالطريقة الأكثر بساطة وسلاسة لمساعدته على فهمها، وعن طريق هذا الفهم يستطيع أن يفهم العالم، كما يستطيع أن يفهم نفسه.

بدون شك أصبح هناك فقر حد السقم فيما يتعلق بالحركة الثقافية والإعلامية، خلافا لما كنا نعرفه ونعيشه في عهود سابقة، والمقارنة تبدو معها الحالة كئيبة ومتناقضة.
من قبل لم يكن هناك دعم ولا أموال، فقط الارادة والاجتهاد والنية الحسنة على يد عقول شابة ومخضرمة، تعتمد التضحية في الابداع، ولا تنتظر أمام الأبواب.
تلك كانت حالة التأليف والمسرح والمحاضرة والندوة والمنبر الاخباري. حالة انقلبت رأسا على عقب منذ أكثر من ثلاثين سنة. كل تلك الحقول المعرفية والترفيهية أصابها الضمور والشيخوخة، ووصلت الى الحافة تنتظر من يلكزها بأصبع لتهوى الى قعر الظلام والنسيان.
وإذا كانت هناك بعض المبادرات القليلة المصابة بالوهن والضعف والسقم، فإنها خاضعة لمناطق ظل وعتمة بسبب خضوعها لمنطق تجاري وزبوني وانتهازي صرف، باستثناء بعض المبادرات الكبيرة والجيدة والقليلة، التي تواجه التعتيم والتضييق والحصار.
من كل تلك المظاهر، نستطيع تشريحها وإظهار أطرافها، المريض منها والسليم. الأولى انتشرت ومعها تعفناتها، والثانية اندثرت ومعها بقايا روحها.
حينما ينظم أى لقاء وفي أى مجال، يكون دائما مسبوقا بمظاهر من الزيف والانتهازية، ويموت مع لحظة انفضاضه، لأنه في غالب الأحيان يكون مشحونا بحضور وجوه للتأثيث، اما لتلميعها أو ارضاء للجهة المنظمة أو للشخص.
يحضرني بالمناسبة لقاء، قيل عنه أنه ثقافي وإعلامي، حضره مسؤول جاء متأخرا، فأحضروا له كرسي وضع أمام كل الصفوف، وهاته جلست في الأمام منها وجوه يقولون عنها أنها من النخبة. كل ذلك ارضاء لشخص ومن يدعمه، وليس للحدث والمناسبة أو للمعرفة والفائدة. والحالة أن هؤلاء لا يمكن تجميعهم في مناسبة جادة إلا اذا كانت تخدم أجندتهم ومصالحهم.
في المقابل، تعقد لقاءات لأشخاص مبدعين ومجدين ومناضلين، فلا يجدون دعما ولا حضورا ولا نية سليمة ولا هدف المعرفة. هذا من أمراض المغرب الخطيرة، وهى مظهر من مظاهر الريع. ويخطئ من يعتقد أن هذا المرض يضرب فقط في جسم المناصب والمقالع والإكراميات والرخص والمؤسسات.
في الثقافة والصحافة أيضا هناك ريع أخطر وأضر. هذين المجالين بالذات هما الدرع الذي يحتمي به المستفيدون من الريع الآخر، وعن طريق ريع الثقافة والصحافة يستطيع الفاسدون في كل مجال من أن يشتغلوا بأمان واطمئنان، وهذا الريع ينمو أيضا بالرشوة المقنعة.
مفهوم الثقافة ومفهوم المثقف لم يعد لهما شأن اليوم، لأن النوايا المريضة أرادت لهما أن يكونا كباقي المجالات الخاضعة للعرض والطلب.
أما الاعلام، بجميع صيغه، فشأنه أفدح وأسوأ، سوق العرض والطلب فيه لا حدود لها، وهو سوق زئبقي وهلامي، لا يعرف مداخله ومخارجه إلا من بيده وسائل التحكم فيه واستعماله واستغلاله.
وحتى لا نكون ظلاميين وعدميين ومزايدين، لابد من القول بأن هناك استثناءات. نعم، الاستثناءات التي ينعدم شأنها أمام القواعد الموضوعة والمخططة بعناية.
هناك مثقفون نظيفون، لكنهم منزوون أو محاربون (بفتح الراء)، هناك ثقافة، لكن محدودة ومهمشة.
وقس على ذلك الاعلام والصحافة والإخبار، كل واحد يسميها كما يشاء، لا فرق، كما أنه لا فرق بين السمعي والبصري والمكتوب والالكتروني.
أمس كانت الثقافة والمثقفون.
وأمس كانت الصحافة والصحافيون.
اليوم هناك ثقافة وثقافة ومثقفون ومثقفون.
واليوم هناك صحافة وصحافة وصحافيون وصحافيون.
وفي البدء كان الشرف والفضيلة.
و........كانت الكلمة.

Comentarios