ما أشبه اليوم بالأمس هذه نتائج خدمات "خدام الدولة" بقلم: المختـــار الغربـــي



"إذا كان المغرب قد عرف تطورا ملموسا، فإن الواقع يؤكد أن هذه الثروة لا يستفيد منها جميع المواطنين. ذلك أنني ألاحظ، خلال جولاتي التفقدية، بعض مظاهر الفقر والهشاشة، وحدة الفوارق الاجتماعية بين المغاربة".

هذه فقرة من خطاب العرش لعام 2014. فقرة صادمة وفاضحة لكل الخطابات المتهافتة والانتهازية والمنافقة التي دأبت نخبة تدبير الشأن العام على التعتيم عليها والتحايل على واقعها المر بالكثير من مظاهر النصب والخداع السياسيين التي تمتاز بها تلك النخبة ذات السلوكيات والمواقف المريضة.
 
لقد قيلت هذه الحقيقة وافتضحت على مدى 50 سنة بصيغ متعددة ومواقف مختلفة. لكن، دائما كانت تلك النخبة تخترع الأسباب والمبررات للقفز عليها بمظاهر متزلفة من الشعوذة السياسية.
 
كيف لم يتم تعرية واقع هذه الحقيقة المرة الا اليوم؟
كيف استطاعت الدولة التعتيم عليها كل هذه العقود الطويلة؟
كيف كانت الدولة وخدامها المرضى من ذوى المصالح تخفي هذه الحقيقة وهى معاش يومي نهش وينهش المغاربة على مدى كل تلك السنوات؟ 
ألم يكن هناك رجل واحد من الخدام المنافقون للنظام قادرا على دق ناقوس الخطر في الأوقات المناسبة التي كانت تحمل معها مخاطر الانهيار؟
كيف السبيل الآن للإصلاح والتصحيح لعقود من التخريب والفساد؟
من يحكم المغرب قولا وفعلا ليتحمل مسؤولية ما جاء في هذه الفقرة الصادمة؟

هل الصمت الذي كان يواجه به الحاكمون الأحوال المقلقة والمأساوية ساهم في استقرار المغرب وحياة المغاربة في وقت تصدمنا القناعة بأن الفوضى وانتفاء الحكامة الجيدة هى عنوان لكل انهيار؟

من كتاب: حفريات من زمن اليأس

للمختار الغربي

بعد ستين سنة من «الاستقلال والحرية» يتأكد يوما بعد يوم أننا فاشلون ولا نعرف كيف نبني دولة حسب المواصفات (المتعارف عليها دوليا)، ولا نستطيع حتى مجرد التحكم في جزئيات صغيرة وتافهة بالفعل، وقد لا تتطلب أصلا لا قوانين ولا نصوص ولا إجراءات، فقط يتطلب الأمر النية الحسنة والتفكير السليم والحكمة في التدبير و... التحرر من سيطرة سلطة النفوذ والثراء والانتهازية واحتقار الآخرين.
 
من حيث الشكل، لدينا كل مقومات الدولة (ولا يهم أن تكون متخلفة أوعصرية)، المهم أن هناك أجهزة، (ولا يهم أن تكون فاعلة أو مفعولا بها)، والأهم أن هناك قوانين (ولا يهم أن تكون ميتة وبلا روح)، أحيانا يبدو كل ذلك كجسم مشلول ومترهل.
الشكل المنظور لا يمكن تحسسه ولمسه، هلامي وزئبقي، من الصعب الإمساك به.
أما المضمون فهو الواقعي والحقيقي في كل تجلياتهما، هذا المضمون، هذا الواقعي، وهذه الحقيقة، (كلها مبعث الأسى والحسرة) على ما مضى من عمر المغرب المستقل والمغاربة الضائعين.
 
منذ سنوات طويلة ونحن نداري، ونكابد ونعاني، ومن حينها وفي طياتها كانت تمر الأحداث ثقيلة ومضنية حد الضجر وفقدان الأمل،، وقد تعرى أثناءها كل الجسد المغربي المثخن بالجراح. مرة بالوعود وأخرى بسنوات السلم الاجتماعي وغيرها بسلسلة من أعوام التأمل، وفي الطريق تتآكل الثقة في العافية، وتتكاثر الأضرار والمواجع.
المضمون يبدو قاتما ومدمرا، تخريب من هنا وتدمير من هناك، وتستفحل الأمور والأوضاع دون بصيص ضوء. هناك حراس عصابات ليس لهم من شغل إلا الإعتراض لكل نسمة زكية تنعش القلوب والنفوس، وليس لهم من ديدن إلا نشر ألوية اليأس والقنوط.
 
لقد اعتمدت آليات الحكم وتدبير شؤون المغرب والمغاربة منذ الاستقلال على قاعدة، أقل ما يمكن أن يقال عنها أنها عنصرية وسخيفة، وهي تجميع وسائل النفوذ والسلطة في أيدي أشخاص كل ما يتوفرون عليه هو المال والنسب العائلي مع الاعتماد على عناصر ذات تفكير سوقي لتنفيذ مخططات العائلات الكبرى التي تستحوذ على المناصب الحساسة في الاقتصاد والسياسة، وليس بالضرورة في الجندية والأمن. هذا المنحى في التسلط هو سبب كل الكوارث والمصائب التي يعيشها المغرب تحت وطأة معادلات ومناورات جهنمية محكومة بهاجس التحكم في رقاب (الأوباش) حتى لا تخرج رجلهم من (الشواري) بعبارة أخرى، المغرب للأقوياء ولا مكان فيه للضعفاء الذين عليهم أن يخدموا (أسيادهم) تحت سلطة قانون الأسياد والعبيد.


طنجـــــة في 15 يونيو 2004

Comentarios