الملخص المستفاد من مظاهر الفساد-جرائم في حق الشباب بقلم: المختار الغربي

لسبب ما قالوا: تفسير الواضحات من المفضحات، ولا يمكن أن يكون الأمر أكثر وضوحا وفضائحية مما سنقدمه، وهو على كل حال الحقيقة المفزعة والمرعبة والقاتلة التي نعيشها في المغرب.




أصبحت كلمة الفساد مبتذلة ومائعة من كثرة الاستعمال، بأدرعه الأخطبوطية الخانقة للأنفاس والقابضة على منافذ التهوية المريحة. وإذا كانت هذه الكلمة جامعة لكل مظاهر التسيب المالي والسياسي وسوء التدبير واستغلال النفوذ والاختلاسات والشطط في استعمال السلطة وغيرها من مظاهر الفوضى وانعدام المسؤولية، فإنه أصبح محتوما تجديد المفاهيم المتعلقة بمثل هذه الأفعال وتصنيفها من الناحية اللغوية والقانونية والسياسية والأخلاقية. وكلها في اعتقادي مما يدخل في باب (خيانة الأمانة)، وهذا هو التعريف الصحيح الذي يجب على الراصدين لخطوات المنحرفين، أن يستعملوه بديلا عن كلمة الفساد، على الأقل ليكون هناك انسجام مع الفعل الإجرامي وتوصيفه من الناحية القانونية، لأن كل فعل من هذا القبيل مهما تعددت خلفياته ودوافعه هو خيانة للأمانة على كافة مستويات المسؤولية الفردية والجماعية، الخصوصية والعمومية.

 بدون شك، هناك عدة آليات لضبط الأفعال المتعلقة بخيانة الأمانة قبل وقوعها، وأخرى لرصدها في المهد قبل الاستشراء والاستفحال. وثالثة لضربها (وهي ساخنة)، وبالتأكيد فإن كل مرحلة من هذه المراحل ستكون سيفاً معلقا على رأس كل من تسول له نفسه المريضة أن يقوم بفعل خيانة الأمانة ،وكلها أمور وخطوات لا تحتاج إلى أي إبداع أو خبرة، فقط نحن في حاجة إلى إرادة قوية لتحصين وتمنيع ترسانة القوانين الموجودة وتفعيلها و تعليقها على رقاب كل الذين نقلدهم المسؤوليات التي لها علاقة بمصالح الناس وأساسا بهيبة الدولة التي بهدلها خائنوا الأمانة ومرغوا كرامتها في وحل انتهازيتهم وأطماعهم. ولا نبالغ إذا قلنا : (بلغ السيل الزبى) وحان الوقت، إذا لم يكن قد فات، بأن تبدي الجهات المختصة (حنة يدها وتتكل على الله) لاجتثاث جذور هذا الوباء الخطير الذي ضربنا ويضربنا.

ويبدو أن الأمور في طريقها إلى ترسيم الفساد، ان لم يكن قد تم ترسيمه بالفعل، بعد (عفا الله عما سلف) لأن اللامبالاة وصلت حدا لا يطاق في ظل أوهام لا مبرر لها.

هناك عدة نماذج لحالات صاعقة تتعلق بالانتماء الوطني والسخرية من بعض الخطابات المتهافتة لبعض الانتهازيين من أصحاب السلطة والنفوذ.
منذ سنوات قليلة، أعادت الدولة انتاج عملية فاشلة، وهى الآن جارية ومتواصلة (على قدم وساق) في واحدة من أسوأ تجليات السياسات اللاشعبية، لكن، هذه المرة بأسلوب أقل ما يمكن يوصف به هو "الجريمة"، لكنها جريمة كبيرة وخطيرة، لأنها تمس أهم ما لدينا من رأسمال، وهو الشباب والمرتبطين بهم من أسر ومسؤوليات، أى أنها جريمة اجتماعية واقتصادية بكل المقاييس.
كيف ذلك؟
باسم جلب الاستثمارات وتشغيل الشباب والتقليص من حدة البطالة، المفترى عليها، تفتقت (عبقرية) الدولة عن عملية كارثية لا يمكن أن تقع إلا في نظام لم يعرف كيف يبني دولة بالمواصفات المتعارف عليها. 
الآن جل المقاولات الوطنية والأجنبية العاملة في بلدنا تشتغل بنظام غريب، لا علاقة له بدولة الحق والقانون. فلكى تجلب الدولة المستثمرين تقوم بإغرائهم برخص اليد العاملة، وفي بعض الأحيان مكونة ومدربة وكفؤة. 

لكن، كيف ذلك وبأى ثمن؟

في كل الدول التي تحترم نظامها وتحمي مصالح مجتمعها، تفرض على المستثمرين مجموعة من الشروط، من ضمنها تطبيق قوانين الشغل فيما يتعلق بساعات العمل والأجور والتغطية الصحية وغيرها، الى جانب الضوابط القانونية الأخرى. الا في جل حالات الشغل الجاري بها العمل بالمغرب، فان المقاولات، المحلية والأجنبية، لا تعرف لهذه الأمور طريقا ولا تطبيقا. 

ما يجري اليوم يتم بالطريقة التالية:

أولا:
تضمن الدولة، عن طريق (الأنابيك)، هكذا، ولا يهم التسمية الرسمية لهذه المؤسسة والكلمات الكبيرة المستعملة لها. تضمن للمستثمرين توفير اليد العاملة المؤهلة، بالأخص خريجى مراكز التكوين المهني، بأرخص الأسعار وأقل التكاليف.

ثانيا:
تستفيد المقاولات من خدمات تلك اليد العاملة بواسطة عقد العمل بين (الأنابيك) والمستخدم، وليس بين الأخير والمقاولة.

ثالثا:
يتحدد أجر المستخدم في 2.200 درهم مجردة، أى بدون شرط استفادة المستخدم من أية حقوق أخرى، مهما كانت، سواء التسجيل في الضمان الاجتماعي، التغطية الصحية، تحديد ساعات العمل، رخص المرض المؤدى عنها، وغيرها. هذه كلها لا مكان لها في العقد، بمعنى، عمليا ليست هناك أية حقوق غير الأجر اليتيم، الذي لا يسمن ولا يغني من جوع.

رابعا:
يحدد عقد العمل، (ونعيد التذكير بأنه بين الأنابيك والمستخدم وليس مع صاحب المقاولة)، أن يقدم المستخدم خدماته للمقاولة لمدة 24 شهرا، بعدها من حق المقاولة توقيف المستخدم وتغييره بآخر بنفس الطريقة. بمعنى، ليست هناك أية ضمانات ليستمر المستخدم في عمله، لأنه في حالة استمراره، سيكون مفروضا ابرام عقد جديد، لكن هذه المرة مع المقاولة، مما سيترتب عنه اكتساب حقوق قانونية واجتماعية ومالية.

هذا هو الفخ الكبير أو لنقل الجريمة الكبرى التى يشترك في ارتكابها كل من الدولة، عن طريق الأنابيك من جهة، والمقاولات من جهة ثانية. بمعنى تفريخ جيش من العاطلين المعوقين، أى الذين لم يستفيدوا من مدة العمل الطويلة ولا من الراتب الذي كان عبارة عن عملية تسول واضحة، لم تسعف صاحبها لا في التوفير ولا في بناء أسرة ولا في أى أمل أو حلم في الاستقرار وضمان المستقبل. 
الجريمة، حسب الخطاب الرسمي الذي يتم الترويج له بكل وسائل النصب والاحتيال، تتأسس على كون الأرقام الكاذبة والمريضة التي تقول بأن المغرب جلب استثمارا ومستثمرين، كما يتأسس على الأرقام الأخرى الكاذبة والمريضة التي تقول بأنه تم تشغيل كذا وكذا من اليد العاملة.

لكن، بأى ثمن يتم ذلك؟

 وكل الأباطيل المروج لها ليس لها أثر ولا حقيقة على أرض الواقع، وقد شرحنا كيف تتم عملية الاحتيال والنصب باسم الدولة على شبابنا ومجتمعنا. 

فالشباب المدرب والمؤهل يتم التعامل معه كبضاعة قابلة للتلف في أقصر مدة لتصبح بضاعة فاسدة يجب التخلص منها بأية وسيلة.
تصوروا، الدولة تكلف مؤسسة رسمية لاغتيال حلم الشباب في التوفر على عمل قار ومستقر وكريم، وتقدم شبابنا قربانا للمقاولات الجشعة التي تجني أرباحها الفاحشة على حساب كرامتهم. 

ومن قبل روجوا كلمة ساقطة ومستفزة حينما قالوا لنا بأن المقاولون وأصحاب الثروات يبنون (مقاولة مواطنة).

أهذه هى المواطنة؟

لسبب ما قالوا: تفسير الواضحات من المفضحات، ولا يمكن أن يكون الأمر أكثر وضوحا وفضائحية مما قدمناه، وهو على كل حال الحقيقة المفزعة والمرعبة والقاتلة التي نعيشها. 




Comentarios