الكتاب المسكوت عنه: “عملية اغتيال سعد حلاوة “.. القاهرة – محمود القيعي:

 قصة إذاعته خطب عبد الناصر الوطنية وعندما طلب وزير الداخلية النبوي إسماعيل من أمه النداء عليه من الميكرفون وبماذا ردّ عليها؟ والجملة التي  كتبها بدمائه قبيل استشهاده

القاهرة  – محمود القيعي:

في الوقت الذي كان فيه السادات وأركان نظامه يحتفلون باستقبال إلياهو بن اليسار  أول سفير إسرائيلي في القاهرة بعد توقيع معاهدة “كامب ديفيد” سيئة الذكر ، كان هناك فلاح مصري شاب  ينتفض رفضا لذلك السفير  الآتي من الكيان الظالم أهله، ولم يجد حيلة للضغط على السادات وحكومته لطرد هذا السفير إلا باحتجاز عدد من موظفي الوحدة المحلية بقرية أجهور، مهددا بقتلهم إن لم يلب السادات طلبه بطرد السفير غير المرغوب فيه.

لحظات تاريخية عصيّة ، وقصة  دراماتيكية شجيّة، ما كان لها توثّق  تاريخيا، لولا  مقال بديع للشاعر السوري الكبير نزار قباني، نشره في مجلة “الوطن العربي” العدد 161 في مارس 1980 بعنوان “صديقي المجنون سعد حلاوة”، استهله بقوله :

استهله بقوله: “مجنون واحد فقط خرج من هذه الأمة العربية الكبيرة العقل المتنحسة الجلد الباردة الدم، العاطلة عن العمل .. فاستحق العلامة الكاملة.. في حين أخذنا كلنا صفرا.. مجنون واحد تفوق علينا جميعا وأستحق مرتبة الشرف في ممارسة الثورة التطبيقية في حين بقينا نحن في نطاق التجريد والتنظير .. هذا المجنون العظيم اسمه سعد إدريس حلاوة .. وعلاماته الفارقة مجنون .. حسب آخر تخطيط دماغ أجرى له فى مستشفى أنور السادات للأمراض العصبية أما بالنسبة لنا؟ نحن أهل الجنون فإن سعد إدريس حلاوة . كان مصريا مثقفا، ومتوازناً، وهادىء الطباع ، نال شهادة البكالوريوس فى الهندسة الزراعية وربط قدره بتراب مصر، وبالنسبة لتاريخ المقاومة المصرية فإن سعد إدريس حلاوة هو أول مجنون عربى لم يحتمل رأسه رؤية السفير الإسرائيلى يركب عربة تجرها الخيول إلى قصر عابدين فى القاهرة و يقدم أوراق اعتماده إلى رئيس جمهورية مصر. فأخذ مدفعا رشاشاً واتجه إلى قاعة المجلس البلدى فى قرية أجهور فى محافظة القليوبية واحتجز سبعرهائن مطالباً من خلال مكبر الصوت الذى حمله معه بطرد السفير الإسرائيلى لقاء الإفراج عن رهائنه”.

وتابع نزار: “هذا هو مجنون مصر أو مجنون الورد.. التي تناقلت وكالات الأنباء قصته باهتمام كبير فى حين قرأ العرب قصته كما يقرأون قبل النوم قصة مجنون ليلى.. وأنا شخصيا ـ وأنا أيضا ـ أحب المجانين وأعتبر نفسى عضوا طبيعيا ً فى حركتهم وأعتبرهم أشجع وأصدق حزب سياسي يمكن أن ينضم إليه الأنسان العربي.. سعد حلاوة كان الأصدق والأصفى  والأنقى فهو لم يقتنع بأسلوب المقاومة العربية وبيانات جبهة الصمود والتحدى .. فقرر أن يتصدى على طريقته الخاصة ويخترع مقاومته ، إذا كان سعد حلاوة مجنونا فيجب أن نستحى من عقولنا وإذا كان متخلفا عقليا فيجب أن نشك فى ذكائنا .. هو قاوم أفتتاح السفارة الإسرائيلية في القاهرة على طريقته الخاصة فقاتل وقتل .. في حين نحن لم نقاتل و لم نقتل .. كل ما فعلناه أننا حملنا ميكروفناتنا .. وبدأنا البث المباشر .. أذعنا أسطوانة أخى جاوز الظالمون المدى وبكينا .. وأستبكينا و فرطنا كل دواوين شعراء الأرض المحتلة .. ورقة ورقة .. هددنا برفع مليون علم فلسطينى لقاء رفع علم إسرائيلى واحد .. أخرجنا من المخازن لافتات نحتفظ بها من أيام وعد بلفور .. ومشينا فى مسيرات اشترك فيها كل الأموات الذين عاصروا الحاج أمين الحسينى وفوزى القاوقجى وأخرجنا من أرشيف الإذاعة كل المونولوجات والطقاطيق والإستكشات السياسية التى نخزنها فى مؤنة البيت وكل الخطابات الحماسية أبتداء من خطابات ميرايور وروبسير و الحجاج بن يوسف الثقافى .. إلى خطابات أدولف هتلر من إذاعة برلين .. وعندما دخل السفير الإسرائيلى ألياهو بن اليسار إلى قاعة العرش وقدم أوراق اعتماده سفيرا فوق العادة و مطلق الصلاحية إلى الملك محمد أنور بن فاروق بن فؤاد بن السادات توقفنا عن إذاعة القرآن الكريم و نصبنا الصلوات و بدأنا نستقبل المعزين ..” .

وتابع نزار : ” سعد إدريس حلاوة هو مجنون مصر الجميل الذى كان أجمل منا جميعا و أجمل ما به أنه أطلق الرصاص على العقل العربى الذى يقف فى بلكونة اللامبالاة فى يوم 26 فبراير 1980 ويتفرج على موكب السفير .. و لكن العقل العربى لا يصاب .. فهو عقل مصفح ضد الرصاص و ضد المعارضة وضد الأحتجاج و ضد النابالم وضد القنابل المسيلة للدموع .. العقل العربى عقل متفرج وأستعراضى و كرنفالى لذلك كان لابد من ولادة مجنون يطلق الرصاص على اللاعبين والمتفرجين جميعا فى مسرح السياسة العربية .. ومن هنا أهمية سعد حلاوة فقد أرسله القدر ليقول جملة واحدة فقط ويموت بعدها : هذه ليست مصر .. هذه ليست مصر .. والقصة أنتهت كما تنتهى قصص كل المجانين الذين يفكرون أكثر من اللازم ويعزبهم ضميرهم أكثر من اللازم .. أطلقوا النار على مجنون الورد حتى لا ينتقل جنونه إلى الآخرين .. فالجنون يتكلم لغة غير لغة النظام لذلك يقتله النظام” ..

 سعد حلاوة كلام مصر الممنوعة من الكلام

وأضاف نزار في مقاله واصفا سعد حلاوة :

جمجمة مصرية كانت بحجم الكبرياء وحجم الكرة الأرضية .. إنه خنجر سليمان الحلبى المسافر فى رئتى الجنرال كليبر ..

هو كلام مصر الممنوعة من الكلام ..

و صحافة مصر التى لا تصدر

و كتاب مصر الذين لا يكتبون

وطلاب مصر الذين لا يتظاهرون

ودموع مصر الممنوعة من الانحدار

و أحزانها الممنوعة من الانفجار” .

عملية اغتيال سعد حلاوة

وإذا كان نزار وثّق إبداعيا لقصة سعد حلاوة الشجية ، فإن صحفيا وطنيا كبيرا أبى إلا أن ينصف سعدا  في كتاب !

ذلكم الصحفي هو الراحل شفيق أحمد علي، الذي وثق لتلك القصة في كتاب طبعه على نفقته الخاصة في عام 1986 بعنوان ” من الملف السري للسادات والتطبيع : عملية اغتيال سعد حلاوة ” ، والذي استهله بقوله :

بعد إذن العقلاء !

الفلاح المجنون الذي قال ” لا ” بدمه .. للتطبيع وللإسرائيليين .. ولنجمة داود  في القاهرة : اغتالوه .

الفلاح المجنون حينما قتلوه ، صورت لهم عقولهم بأنه المجنون الوحيد في المصريين ، وأن سره سيدفن معه ، وأن أحدا لن يفتش عن اسم ” سعد حلاوة ” تحت التراب ..

وصورت لهم عقولهم بأنه مجنون ، نال الجزاء الأكبر على جنونه ، وأن هذا الجزاء سيعيد عقول المصريين الى مكانها ، ولن يسمح  بظهور مجنون آخر .. فبصق المجنون الجديد سليمان خاطر على عقولهم وعقولنا برشاشه ” .

وتابع  الأستاذ شفيق أحمد علي :

الى هذا المجنون .. النبيل

الى أول شهداء التطبيع

اليه والى الشهيد سليمان

والى اليوم الذي نصبح فيه مجانين من الوريد، الى الوريد

من الرأس الى القدم ، ومن المحيط الى الخليج.. اليه والى  سليمان .. اليهما فقط أهدي هذا الكتاب .. بعد اذن السادة العقلاء !”.

وصدّر شفيق كتابه بمقال نزار التاريخي  عن “سعد حلاوة”.

البداية

يستهل شفيق أحمد علي كتابه واصفا قرية أجهور التي وقعت فيها القصة قائلا: “موتوسيكل متهالك يخترق  الشوارع الترابية لقرية أجهور .. الموتوسيكل من النوع الذي يستعمله أهالي القرية في التنقل بينها وبين القرى المجاورة في محافظة القليوبية، فلاح شاب من أبناء القرية يجلس خلف سائق الموتوسيكل.. الفلاح يسند بيديه شنطة سفر كبيرة، مستقرة وقوفا بينه وبين سائق الموتوسيكل، يصل الموتوسيكل الى الوحدة المجمعة لقرية أجهور، يتوقف قريبا من ثلاثة موظفين يجلسون في شمس الشتاء أمام الوحدة، يرمي الفلاح سلامه من فوق الموتوسيكل على الموظفين الثلاثة ، يعاونه أحدهم على الصعود بالشنطة وما فيها الى الطابق الثاني في مبنى الوحدة.. يخبر سكرتير المجلس بأنه أحضر له ولمن يريد من الموظفين أن يشتري ، بعض بضائع ” الانفتاح ” من بور سعيد ، يتكاثر الموظفون حول الفلاح الشاب ، يطلبون منه أن يفتح الشنطة للفرجة على البضائع ، يطلب منهم أن يدخل ” دورة المياه ” ، يغيب داخلها أقل من دقيقة ، يخرج وفي يده مدفع ” رشاش ” مصوب في اتجاه الجميع !!” .

وتابع شفيق واصفا القصة الدراماتيكية قائلا :

جسد الفلاح الشاب ينتفض ،  يطلق من مدفعه الرشاش دفعة طلقات من نافذة الحجرة ، يلتقط أحد أشرطة التسجيل من أمامه ، يضعها في التسجيل ، يطلق دفعة جديدة من مدفعه الرشاش ، ومع صوت الطلقات ، يختنق الصوت الكريه في الراديو ويعلو صوت عبد الحليم حافظ في اتجاه القرية منشدا:

فدائي. فدائي.. أهدي العروبة دمائي، وأموت أعيش ما يهمنيش، وكفاية أشوف علم العروبة باقي.. فدائي”.

وتابع المؤلف: “أهالي القرية يتدافعون في اتجاه الوحدة المجمعة، خبر ما يحدث في الوحدة الذي سرى بينهم في لحظات ينتشلهم قفزا من البيوت، وعلى المصاطب والحقول المجاورة في اتجاه  طلقات الرصاص.. دائرة الدهشة تتسع في عيونهم، تتسع أكثر في خطواتهم اللاهثة، هذا الصوت – تقول عقولهم وقلوبهم – بأنهم يعرفونه جيدا ، بالضبط هو نفس الصوت الذي حرموه عليهم طوال السنوات الماضية ، هو صوت عبد الناصر (أدار سعد حلاوة أشرطة قديمة لخطب عبد الناصر).

أيها الأخوة المواطنون: إن الذين يقاتلون  يحق لهم أن يأملوا في النصر، أما الذين لا يقاتلون، فلا يحق  لهم أن ينتظروا شيئا إلا القتل”.

أنا سعد حلاوة

ويتابع المؤلف: “البعض الصامت ما زال مترددا تشده الدهشة لفهم ما يحدث، زعاريد الرشاش والأنشودة تتوقف:

بسم الله الرحمن الرحيم.. يا أهالي أجهور . أنا سعد إدريس حلاوة، أنا منكم وعارفين إنني فلاح زيكم، بازرع أرضي بايدي وبعرقي، ما سبتهاش ورحت أبيع الجاموسة، أو أرهن البيت أو أستلف بالفايظ ، علشان أشترة تذكرة سفر، أو عقد مزور في ليبيا أو السعودية، كل واحد فيكم عارفني، وعارف بيتي، وعارف عيلتي، عارفني وعارف أخلاقي، وعارف اني وارث من المرحوم والدي ثلاثة فدادين، وعايش في حالي ومستور والحمد لله، يعني مش محتاج ..” وتابع سعد:

لكن العار والمهانة اللي بيتعرض لها شرفنا النهارده ، تخلينا ما نلبس طرح الستات ونسكت ، أو نخاف  على بيت أو جاموسة  أو زرعة ، تخلينا لازم نتحرك ، لازم ندافع عن شرفنا بدمنا، لازمتها إيه العيشة وشرفنا بينداس وينباع قدام عنينا ، مصر هيه شرفنا، مصر مش هيه الخديوي السادات وحاشيته ، علشان يبيعها للصهاينة والأمريكان .. مصر هيه  انتم وأنا وكل الشعب الشقيان اللي الخديوي لاهيه في الجري ورا لقمة عيشة، علشان هو وعصابته يعرفوا يبيعوها ويقبضوا وينهبوا كويس..” وتابع سعد: “يا أهالي أجهور: النهارده 26 فبراير 80 والنهارده  بالذات السادات فتح لاسرائيل سفارة في الدقي، ورفعوا عليها علمهم، رفعوه يدنس أرض مصر وسماها”.

واختتم سعد خطبته قائلا: “يا أهالي أجهور: أنا واحد منكم أنا ضميركم أنا صوتكم اللي صحافة المنافقين ما تقدرش تقوله .. وأنا خلاص قررت أدفع دمي علشان راسنا تبقى فوق..

قولوا ورايا : يسقط الخديوي السادات وحاشيته.. نطالب بطرد السفير الاسرائيلي من القاهرة.. الكل يهتف والكل يطالب.. وزغاريد البنات مع زغاريد الرشاش تزين الهتافات في اتجاه القرية.

أجهور في الثالثة ظهرا

لم يجد عمدة أجهور ( العم الوحيد لسعد حلاوة ) مفرا من إخلاء مسئوليته ، فأبلغ مركز طوخ بما حدث ،وتطور الأمر ، فأبلغ مأمور المركز مدير أمن القليوبية بالأمر ، والذي بدوره أبلغ وزير داخلية السادات الشهير النبوي اسماعيل، الذي أبلغ السادات بواقعة سعد حلاوة، فأمره بالتعامل بقوة وحسم الأمر حتى لا يتكرر في أماكن

أخرى .

ويتابع المؤلف: “طابور طويل من سيارات الأمن المركزي على الطريق الترابي المؤدي الى قرية أجهور يتقدمها قيادات الداخلية بدءا من الوزير مرورا بمساعده الأول، ومدير مصلحة الأمن العام ، وانتهاء بالقائد العام لقوات الأمن المركزي

نداء الأم

ويتابع المؤلف: “النبوي يناول ميكروفون وزارة الداخلية الى والدة سعد حلاوة، يشرح لها كيف أنهم قد صبروا طويلا على ابنها، يشرح لها كيف أنهم لا يريدون استخدام العنف معه لإنقاذ الرهائن. الأم يتقترب من نافذة ابنها.. جسد سعد ينتفض لسماع نداءات أمه عليه في الميكروفون، جهاز التسجيل ينوب عنه في الرد على أمه: ست الحبايب يا حبيبة .. يا أغلى من روحي ودم .. يا حنيّنة وكلك طيبة .. دموع الأم المسنّة تختلط برجائها لسعد أن يرحمهم من البهدلة ، بهدلة الحكومة والعسكر والدنيا المقلوبة لمواجهة ابنها بمفرده”.

فما كان رد سعد؟ يجيب المؤلف: “صوت سعد يرد على الأم – مهونا  بأن مصر كلها تتعرض يوميا يا أمي للإهانة والبهدلة في الأكل والشرب والسكن والمواصلات وأخيرا دنسها الخديوي وحاشيته بالصهاينة والأمريكان ” .

قلب الأم ينتفض على ابنها من الكلام في السياسة ، صوت ابنها يطمئنها بأنه يعرف جيدا بأن اسمه منذ الثانية عشرة ظهرا قد أصبح المرحوم سعد ، ويذكّرها بآلاف المرحومين الذين باع السادات دمهم للصهاينة الأنجاس، ويوصيها بألا تحزن عليه .. “.

سيل من الطلقات

ويصف المؤلف  مهاجمة قوات النبوي اسماعيل سعد حلاوة قائلا:

سيل من الطلقات في وقت واحد ينهال على نافذة سعد حلاوة من كل اتجاه ، قنابل الدخان والغاز المسيل للدموع  تسابق الطلقات.. الليل والشجر والحجر وغضبة المطر تصد النيران .. طلقات العسكر تتكاثف في لحم وأضلع  النافذة ، كثافة الطلقات تفصل العظم عن لحم الحائط، تتهاوى النافذة من الطابق الثاني”.

حجرة سعد حلاوة

 ويواصل الكاتب وصف المنظر الأليم قائلا: “قمر البسطاء يجلس القرفصاء في ركن الحجرة ، يسند مدفعه الرشاش الى الحائط ، ظلام الشتاء وقنابل الدخان التي مازالت تنفجر من حوله في الحجرة لا تجعله يتبين موضع فوهة رشاشه على الحائط ، يدس القمر  يده اليسرى في جيب البالطو، تخرج وبها كشاف صغير يعمل بالحجارة ، يضغط فيه على زر الاضاءة، يصوبه في اتجاه الرهائن ، يطمئن على سلامتهم من مكانه، يوصيهم بنفس متقطع ألا يغضبوا منه .. يدير الكشاف في اتجاه عينه التي اخترقتها رصاصات العسكر  ، ماء ” النني ظك يختلط بالدم المتدفق من عينه باتجاه الفم ، يصطدم لسانه بملوحة الدم، يغمس إصبعه الأيمن في الدم المتدافع من عينه ، يدير كشافه المضاء، ويكتب بدم العين على الحائط:

اطردوا السفير الإسرائيلي من القاهرة ، ولتحيا مصر حرة، ولتحيا مصر عربية .. سعد إدريس حلاوة في 26 فبراير 1980 “.

ويتابع   شفيق أحمد علي قائلا :

يتكاثر ضباط النبوي  خلف الباب المغلق للحجرة ، يخرج حربي( أحد الرهائن ) ويداه الى أعلى ، تستقبله بنادق وسناكي العسكر ، يأمره ضابط يلبس في رواية حربي زي الصاعقة أن يرجع ، ويدير إليهم ظهره، أن يدخل ثانية الحجرة ، ويجر القمر النازف من ركنه ” سعد حلاوة ” .. يدخل حربي متجها للركن المقصود ، لا يشعر حربي إلا والضابط مستورا” في ظهره .. ومن خلف الساتر : يفرغ ضابطنا الشهم كل رصاصاته في القمر النازف ، يرفع كعب الرشاش ، يهشم جمجمة الغارق في بحر دمائه ، ينهال عليها بسن حذائه، يضرب في الفك ، وفي الظهر ، وفي الرأس ، وفي الجنبات .. فيصك شهامتهم – كدما – في الجسد النازف ، كي تعلو نجمة داود في  مصر السادات ” .

وصف عام لجثة الشهيد حلاوة

وتوثيقا لكلامه ، ينشر المؤلف تقرير معاينة جثة سعد حلاوة حسبما صدر من الطب الشرعي ، وجاء فيه : ” جثة لشاب في الخامسة والثلاثين من عمره ، يرقد على منضدة بمشرحة المستشفى على ظهره ..

الإصابات المشاهدة بجثة المتهم

وجاء في التقرير : ” إصابة في عينه اليسرى بالكامل ، وتهشم برأسه من الخلف ، والجرح نافذ الى الجمجمة مع خروج قطعة من المخ والإصابة طولها حوالي 7 سم ، وعرضها 5 سم تقريبا ومستديرة  – أي بحجم كعب الرشاش ، وحلقه منتفخ ، تبين أن به أشياء متجمدة تشبه الطلقات النارية وفمه مفتوح ” .

شهادت في حقه

ونشر المؤلف نص التحقيقات مع الرهائن الذين احتجزهم سعد حلاوة وكذلك مع أبناء قريته ، والتي أكدوا فيه أنه  كان – رحمه الله – من أكرم الناس  طبعا ، وأطيبهم نفسا ، وأسواهم خلقا .

ونشر المؤلف تحقيقات النيابة في مقتل سعد حلاوة، وما جاء فيها من شهادات قيادات الداخلية ، ومنها شهادة اللواء أحمد مختار مدير أمن القليوبية الذي أكد أن كل ما همّه في تلك العملية أن تنتهي بأي وسيلة، واصفا  الرأي العام في مصر آنذاك بأنه “ر أي عام في حاله  ، وناس بتبص على أكل عيشها ، والسياسة عندها أصبحت مجرد كلام بيدخل من ” الودن ” دي ، ويطلع من الودن التانية .

وأنهى المؤلف كتابه قائلا : ” انتهت أقوال اللواء أحمد مختار مدير أمن القليوبية وقت عملية سعد ادريس حلاوة ، انتهى منطق السادات ورجاله في تبرير ” اغتيالهم ” لمن قال  ” لا ” للعلم الصهيوني في حلق المحروسة .

Comentarios