اسحاق شارية يكتب: تعفن الأحزاب المغربية


اسحاق شارية يكتب: تعفن الأحزاب المغربية
بتاريخ 19 سبتمبر, 2015
بقلم: الاستاذ اسحاق شارية
منذ أن وعيت على العمل الحزبي المغربي وأنا أشعر بالغثيان كلما شاهدت أو سمعت أحد السياسيين يتحدث إلى وسيلة من وسائل الإعلام، وأحس وكأن  شوكة واحدة قد حقنوا بها جميعا، وهي شوكة ربما تسمى محلول الخطاب الممل، وكأن تلك الوجوه السياسية البئيسة قد تعاهدت منذ الإستقلال إلى يومنا هذا على أن تعكر صفو المواطن المغربي بالتصاقها في مراكز العمل السياسي والحزبي بالمغرب، وعدم التجديد لا في الخطاب ولا في النخب ولا في الممارسة، فلا زال اليسار المغربي يتجرع عليك كلما قابلت أحدهم ذكريات النضال من أجل الدولة الإشتراكية و ما يسمونه بسنوات الرصاص، وتحس وأنت تجالسه بأنك تتحدث إلى جدك في حكاياته عن أيام مقاومة الإستعمار، ويغالبك النوم وهو في خضم زهوه بأيام المعتقل، وتراه يحاول جاهدا إسقاط تلك المرحلة على زمن جديد وعهد آخر تجاوز تلك الأيام وتلك الممارسات بسنوات ضوئية.
 أما إن كنت سيئ الحظ في يوم ما والتقيت فيه بأحد زعماء اليمين، فستواجه لحظات صعبة وأنت تغالب نفسك في كبح الضحك في وجهه، وأنت تراه مطأطأ الرأس مرتعد الفرائس، ليس له أي فكر أو مرجعية، وتحس بأنك جالس مع موظف بسيط من السلم 09، ينتظر الإشارات السماوية، والأضواء الخضراء، فلا يجيبك عن تساؤل ويمنعك من أية مبادرة، خوفا من أن يزعج ذلك أشباحا لاتزال عالقة في مخيلته من أيام أفقير، رغم أن العهد قد تغير وأصبح مطلوبا من اليمين أن يناضل ويبادر ويجيب على تساؤلات المواطن من منطلق مرجعيته وهويته السياسية.
و إذا سخطت عليك آلهة السياسة وراودتك نفسك عن الإنخراط في إحدى الأحزاب الصغرى، فإنك ستجد نفسك في شقة خاوية، لا تفتح إلا أيام الإنتخابات لتستقبل طالبي التزكيات وسماسرة الإنتخابات، وزعيم يعذبك بإجبارك على سماع هرطقاته وتخاريفه وذكرياته أيام كان وزيرا لإحدى القطاعات، ويحاول رغما عنك أن يقنعك بأن الدولة قد خسرت عبقريا فذا عندما قررت الإستغناء عن خدماته.
ورغم صراع الديكة، الذي يبدو ظاهريا في الصحف بين بعض القوى السياسية لكن متتبعه يحس أنه مجرد صراخ بئيس وتبادل للإتهامات، وكأننا في محطة للمسافرين أو سوق لبع السمك، فلا برامج ولا أفكار ولا طروحات سياسية عميقة ولا تجمعات خطابية مهيبة يقوم فيها أحد الزعماء بارتجالية مفعمة بالصدق بإلقاء خطاب يلهب حماس المناضلين والمشاركين، لا شيئ غير الملل والإنتظار، والخطاب النمطي المفعم بمصطلحات لا أدري من أين تم استقاؤها (البرنامج المهيكل، التنمية المستدامة، البيروقراطية في ظل الذلقراطية…إلى آخره من المصطلحات ذات الأصل الفرنسي والمترجمة بترجمة ركيكة تجعلها بدون أي معنى.
ولننتقل إلى الشبيبات الحزبية وخطابات التشبيب التي بدأ يتغنى بها المشهد السياسي المغربي هذه الأيام، حتى بدأنا نرى ممثلي الشبيبات جالسون  على باب وزير الداخلية يتسولون مقاعد برلمانية مباشرة عن طريق الكوطا، ويلتمسون منه الضغط على أحزابهم ليمنحهم فرصة، وياليتهم كانوا من أبناء الشعب، فالتشبيب حكر على أبناء الزعماء وذويهم، ألم أقل لكم بأنهم أقسموا على أن يعكروا صفو المواطن منذ الإستقلال بالتصاقهم على كراسيهم، وتشبثهم بمقاعدهم، هاهم اليوم يرحلون ويتركون لنا أبناءهم وأحفادهم، فأية ديمقراطية هذه إن كانوا سيوضعون في البرلمان كممثلين للشباب المغربي دون حتى استشارة الشباب أبناء الشعب في هذا الأمر، إنها ديكتاتورية الكوطا، وفرض لنخب شابة تعيد اجترار نفس الخطاب السياسي القديم الذي ورثته عن أجدادها، وكأن السياسة في المغرب لا يفقه فيها سوى عائلات معينة، وأن الخروج عن تلك الأسماء العائلية خط أحمر.
كنا نعتقد بعد التصويت على الدستور أن النخب الشعبية داخل الشبيبات الحزبية ستقود ثورات داخل أحزابها لتنتفض على تلك الزعامات الورقية، لكن يبدو أن منطق الإسترزاق، ومفهوم التملق والخوف من غضبة الزعيم أو سخط الولي الصالح الذي ألهوه حتى أصبحوا يتوهمون أنه يطلع على ما في نفوسهم، لذلك تجدهم يمتنعون عن انتقاده حتى في حديثهم مع أنفسهم داخل المرحاض، فبالأحرى داخل اجتماع للشبيبة، أو أمامه.
إن المنطق الذي يسير فيه المشهد الحزبي المغربي، لا يبشر بأي خير، فالزبونية والمحسوبية، والعقلية المتحجرة والقديمة هي العوامل المسيطرة على هذا المشهد، ناهيك عن الفساد والتحالفات مع أصحاب المال، وتهميش للأطر المناضلة الشعبية التي ما إن تتفتق مواهبها السياسية وتحاول الإطلال برأسها خارج الحدود المرسومة لها، إلا وتقطع من جذورها، لتبقى اللعبة محتكرة بين نفس اللاعبين أو أبناءهم وياليتهم يعرفون اللعب، فالبلادة هي أقل صفة يمكن وصفهم بها، وهو ما يجعل الشارع يزداد بعدا عنهم.
لقد أصبحت الأحزاب السياسية القائمة تشكل عبئا ثقيلا على الدولة، بل وتعرقل مسيرة تطورها ، وقد أبانت انتخابات 4 شتنبر أن هذه الأحزاب على كثرتها تقف عاجزة عن صد توسع حزب العدالة والتنمية، على اعتبار أنه الحزب الوحيد الذي أبان أنه يدير لعبة السياسة بطريقة مختلفة تحترم عقل الناخب وتتواصل معه بلغة بسيطة يفهمها، ولا شك أن اعتماد باقي الأحزاب السياسية على دعم الدولة أو التوكل على النخب الفاسدة وانعدام الديمقراطية الداخلية وأبناء الأعيان والنافذين، لا يزيد حزب العدالة والتنمية إلا قوة وتجذرا، وعليه فإن استمرار هذا الوضع يجعلنا نسير بخطى ثابتة نحو حزب وحيد يسيطر على كافة مؤسسات الدولة، وعندها ستكون الكارثة.
إن الأحزاب السياسية المغربية باستثناء حزب العدالة والتنمية، قد ماتت في أعين كافة المغاربة، وقد كانت مراسيم الدفن يوم الإقتراع، لهذا فإنه من البلادة إعادة إحيائها عن طريق إفساد العملية الإنتخابية، وغض الطرف عن سماسرة الإنتخابات، وأصحاب المال الحرام، ذلك أن المغاربة قد استفاقوا وقرروا عدم العودة إلى الوراء، لهذا فعلينا جميعا أن نحسن دفن أمواتنا من هؤلاء النخب السياسية ونصنع من جديد مشهدا سياسيا يحيا بشباب الوطن أبناء الشعب بخطاب جديد وأفكار متجددة، تنعش المشهد السياسي الذي لم تعد فيه إلا رائحة الأموات المتعفنة.

Comentarios